الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            باب صفة النار وأهلها نعوذ بالله منها.

                                                                            قال الله سبحانه وتعالى: ( كلما خبت زدناهم سعيرا ) ، أي: سكن لهبها، ومثله خمدت، فإذا بطلت، يقال: همدت.

                                                                            وقال سبحانه: ( وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا ) .

                                                                            وقال عز وجل ( إنا أعتدنا للظالمين نارا ) .

                                                                            وقال جل ذكره: ( لابثين فيها أحقابا ) ، جمع حقب، يقال: الحقب ثمانون سنة.

                                                                            وقال جل ذكره: ( لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا ) ، قيل: البرد: الراحة، تقول العرب: أنا أتبرد بذلك، أي: أستريح، وقيل: البرد: النوم، تقول العرب: منع البرد، أي: النوم.

                                                                            وقوله عز وجل: ( إلا حميما وغساقا ) ، قيل: الغساق: ما يسيل من أعينهم من دموعهم يسقونه مع الحميم، يقال: غسقت عينه: إذا سالت تغسق، وقيل: هو ما يغسق من جلود أهل النار من الصديد، ومن قرأ بالتخفيف، فهو [ ص: 235 ] البارد الذي يحرق ببرده، وقال بعضهم: إنما قيل لليل: غاسق، لأنه أبرد من النهار، وقيل غساقا، أي: منتنا، كما جاء في الحديث: " لو أن دلوا من الغساق يهراق في الدنيا لأنتن أهل الدنيا " .

                                                                            وقوله سبحانه وتعالى: ( إلا من غسلين ) ، هو صديد أهل النار، وما ينغسل ويسيل من أبدانهم.

                                                                            وقوله سبحانه وتعالى: ( إنها ترمي بشرر كالقصر ) ، قيل: كالقصر من قصور الأعراب، قال ابن عباس : كالقصر بفتح الصاد، وفسر أنها كأعناق الإبل، الواحدة قصرة، وقيل: القصر: أصول الشجر، وقيل: كأعناق النخل.

                                                                            وقوله سبحانه وتعالى: ( تلفح وجوههم النار ) ، أي: تضرب، واللفح أعظم تأثيرا من النفح، وهو قوله سبحانه وتعالى: ( ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك ) ، أي: أدنى شيء منه.

                                                                            وقال جل ذكره: ( في سموم وحميم ) ، أي: ماء حار، كما قال عز وجل: ( وسقوا [ ص: 236 ] ماء حميما ) ، ( وظل من يحموم ) ، اليحموم: الشديد السواد، قال مجاهد : هو دخان جهنم.

                                                                            وقال سبحانه وتعالى: ( نزاعة للشوى ) ، قيل: الشوى: الأطراف: اليدان والرجلان والرأس، يقال لجلود الناس: الشوى الواحد الشواة، ولجلدة الرأس: شواة، ولأطراف الإنسان: شواة.

                                                                            وقوله سبحانه وتعالى: ( إنها لإحدى الكبر ) ، أي: إحدى العظائم وهي النار.

                                                                            قوله عز وجل: ( تدعو من أدبر وتولى ) ، قيل: تدعو، أي: تعذب.

                                                                            قال أعرابي لآخر: دعاك الله، أي: عذبك الله، وقيل: تدعو، أي: تنادي.

                                                                            قيل في التفسير: إن جهنم تدعو الكافر باسمه، وقيل: دعوتها إياهم ما تفعل بهم من الأفاعيل، تقول العرب: دعانا غيث وقع بناحية كذا، أي: كان ذلك سببا لانتجاعنا إياه.

                                                                            وقوله سبحانه وتعالى: ( نحن جعلناها تذكرة ومتاعا للمقوين ) ، قيل: معناه من شاء أن يتذكر [ ص: 237 ] بالنار من جهنم فيتعظ.

                                                                            قوله سبحانه وتعالى: ( سندع الزبانية ) ، يعني: الشداد الغلاظ من الملائكة، الواحد زبنية.

                                                                            وقوله سبحانه وتعالى: ( لهم فيها زفير وشهيق ) ، الزفير من أصوات المكروبين، والأصل فيه صوت الحمار، فالزفير نهيقه، والشهيق آخر نهيقه، وقيل: الزفير من الصدر، والشهيق من الحلق.

                                                                            قوله سبحانه وتعالى: ( تغيظا وزفيرا ) ، أي: صوت تغيظ، وغليان تغيظ، وقوله عز وجل: ( تكاد تميز من الغيظ ) ، أي: تنشق غيظا على الكفار، وقيل: من شدة الحر، يقال: تغيظت الهاجرة: إذا اشتد حرها.

                                                                            وقال الله سبحانه وتعالى: ( إن لدينا أنكالا وجحيما وطعاما ذا غصة ) ، أي: لا يسوغ في الحلق، يعني الزقوم، وقيل: هو السريع، كما قال: ( ليس لهم طعام إلا من ضريع ) ، وهو نوع من الشوك، يقال له: الشبرق.

                                                                            وقال جل ذكره: ( طلعها كأنه رؤوس الشياطين ) ، قيل: [ ص: 238 ] هي حيات لها رؤوس منكرة وأعراف، وقيل: أريد بها الشياطين المعروفة، شبه بها لقبحها، وكل شيء يستقبح، فإنه يشبه بالشياطين، فيقال: كأن وجهه وجه شيطان، وكأن رأسه رأس شيطان، وإنها وإن لم يرها الآدميون، فهو مستشنع عندهم.

                                                                            وقال سبحانه وتعالى: ( فشاربون شرب الهيم ) ، الهيم: الإبل التي أصابها الهيام، وهو داء يصيبها من العطش، فلا تروى من الماء حتى تموت، ( هذا نزلهم ) ، أي: رزقهم وطعامهم، ( يوم الدين ) .

                                                                            وقال بعض المفسرين: الهيم: الرمال التي لا يرويها ماء.

                                                                            وقال سبحانه وتعالى: ( إن عذابها كان غراما ) ، الغرام: ما كان لازما، يقال: فلان مغرم بكذا: أي لازم له مولع به، وقيل: الغرام: أشد العذاب.

                                                                            وقال الله سبحانه وتعالى: ( ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا ) ، قيل: أي مشاة عطاشا كالإبل ترد الماء، وقيل الورد: القوم الذين يردون الماء، فسمي العطاش وردا لطلبهم ورود الماء. [ ص: 239 ] .

                                                                            4398 - أخبرنا أبو الحسن الشيرزي ، أنا زاهر بن أحمد ، أنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي ، أنا أبو مصعب ، عن مالك ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال: " نار بني آدم التي توقدون، جزء من سبعين جزءا من نار جهنم " .

                                                                            قالوا: يا رسول الله، إن كانت لكافية.

                                                                            قال: " فإنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءا " .

                                                                            هذا حديث متفق على صحته، أخرجه محمد ، عن إسماعيل بن أبي أويس ، عن مالك ، وأخرجه مسلم ، عن قتيبة ، عن المغيرة بن عبد الرحمن ، عن أبي الزناد .

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية