الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            4261 - أخبرنا ابن عبد القاهر ، أنا عبد الغافر بن محمد ، أنا محمد بن عيسى الجلودي ، نا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، نا مسلم بن الحجاج ، حدثني محمد بن مهران الرازي ، نا الوليد بن مسلم ، نا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، عن يحيى بن جابر الطائي ، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير ، عن أبيه جبير بن نفير ، عن النواس بن سمعان ، قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال ذات غداة، فخفض فيه ورفع حتى ظنناه في طائفة النخل، فلما رحنا إليه، عرف ذلك فينا، فقال: "ما شأنكم؟" قلنا: يا رسول الله، ذكرت الدجال غداة، فخفضت فيها ورفعت حتى ظنناه في طائفة النخل، فقال: "غير الدجال أخوفني عليكم، إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم، وإن يخرج ولست فيكم، فامرؤ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم ، إنه شاب قطط، [ ص: 55 ] عينه طافئة، كأني أشبهه بعبد العزى بن قطن، فمن أدركه منكم، فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف، إنه خارج خلة بين الشام والعراق، فعاث يمينا، وعاث شمالا، يا عباد الله، فاثبتوا" ، قلنا: يا رسول الله، وما لبثه في الأرض؟ قال: "أربعون يوما يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم" ، قلنا: يا رسول الله، فذلك اليوم الذي كسنة، أيكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: "لا، اقدروا له قدره" ، قلنا: يا رسول الله، وما إسراعه في الأرض؟ قال: " كالغيث استدبر به الريح، فيأتي على القوم، فيدعوهم فيؤمنون به، ويستجيبون له، فيأمر السماء فتمطر، والأرض فتنبت، فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كان ذرى وأسبغه ضروعا، وأمده خواصر، ثم يأتي القوم، فيدعوهم، فيردون عليه قوله، قال: فينصرف عنهم، فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم شيء من أحوالهم، ويمر بالخربة، فيقول لها: أخرجي كنوزك، فيتبعه كنوزها كيعاسيب النحل، ثم يدعو رجلا ممتلئا شبابا، فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين، رمية الغرض، ثم يدعوه، [ ص: 56 ] فيقبل ويتهلل وجهه يضحك، فبينما هو كذلك إذ بعث الله المسيح ابن مريم، فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين واضعا كفيه على أجنحة ملكين إذا طأطأ رأسه قطر، وإذا رفعه، تحدر منه مثل جمان كاللؤلؤ، فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات، ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه، فيطلبه حتى يدركه بباب لد فيقتله، ثم يأتي عيسى قوم قد عصمهم الله منه، فيمسح عن وجوههم، ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة، فبينما هو كذلك إذ أوحى الله إلى عيسى، إني قد أخرجت عبادا لي لا يدان لأحد بقتالهم، فحرز عبادي إلى الطور ، ويبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون، فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية، فيشربوا ما فيها، ويمر آخرهم، فيقول: لقد كان بهذه مرة ماء، ويحصر نبي الله وأصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيرا من مائة دينار لأحدكم اليوم، فيرغب نبي الله وأصحابه، فيرسل الله عليهم النغف في رقابهم، فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة، ثم يهبط نبي الله وأصحابه إلى [ ص: 57 ] الأرض، ولا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله، فيرسل الله طيرا كأعناق البخت، فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله، ثم يرسل الله مطرا لا يكن منه بيت مدر ولا وبر، فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلفة، ثم يقال للأرض: أنبتي ثمرك، وردي بركتك، فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة، ويستظلون بقحفها، ويبارك في الرسل حتى إن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس، واللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس، واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ من الناس، بينما هم كذلك إذ بعث الله ريحا طيبة، فتأخذهم تحت آباطهم، فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم ، ويبقى شرار الناس يتهارجون فيها تهارج الحمر، فعليهم تقوم الساعة " .

                                                                            وأخبرنا ابن عبد القاهر ، أنا عبد الغافر بن محمد ، أنا محمد بن عيسى ، نا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، نا مسلم بن الحجاج ، نا علي بن حجر السعدي ، نا عبد الله بن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، والوليد بن مسلم ، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، بهذا الإسناد نحو ما ذكرنا، وزاد بعد قوله: " لقد كان بهذه مرة ماء، ثم [ ص: 58 ] يسيرون حتى ينتهوا إلى جبل الخمر، وهو جبل بيت المقدس ، فيقولون: لقد قتلنا من في الأرض، هلم فلنقتل من في السماء، فيرمون بنشابهم إلى السماء، فيرد الله عليهم نشابهم مخضوبة دما " .

                                                                            هذا حديث صحيح.

                                                                            قوله: " إنه خارج خلة " ، أي: سبيلا بين الشام والعراق.

                                                                            وقوله: " فيقطعه جزلتين " ، أي: قطعتين.

                                                                            قوله: " بين مهرودتين " ، أي: في شقتين أو خلتين، ويروى هذا الحرف: مهرودتين، بالدال والذال جميعا، أي: ممصرتين، والممصرة من الثياب: التي فيها صفرة.

                                                                            ويروى في وصف عيسى: " رجل مربوع إلى البياض والحمرة، يمشي بين ممصرتين " .

                                                                            وقوله: " وهم من كل حدب ينسلون " ، أي: يسرعون، يقال: نسل ينسل نسلانا.

                                                                            وقوله: " فيرسل عليهم النغف " ، النغف: دود يكون في أنوف الإبل والغنم، واحدها: نغفة.

                                                                            وقوله: " فيصبحون فرسى " ، أي: قتلى، الواحد فريس، مثل قتلى وقتيل، وصريع وصرعى من فرس الذئب الشاة.

                                                                            وقوله: " فيتركها كالزلفة" ، الزلفة: واحدة الزلف، وهي المصانع، وهي المزالف أيضا.

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية