الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            4293 - أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله [ ص: 95 ] النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، نا محمد بن إسماعيل ، نا الحميدي ، نا وكيع ، نا الأعمش ، عن إبراهيم بن يزيد التيمي ، عن أبيه، عن أبي ذر ، قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله سبحانه وتعالى: ( والشمس تجري لمستقر لها ) ، قال: "مستقرها تحت العرش " .

                                                                            هذا حديث متفق على صحته، أخرجه مسلم ، عن أبي سعيد الأشج ، وإسحاق بن إبراهيم ، عن وكيع .

                                                                            قال أبو سليمان الخطابي في قوله عز وجل: ( والشمس تجري لمستقر لها ) : إن أهل التفسير وأصحاب المعاني قالوا فيه قولين، قال بعضهم: معناه: أي لأجل قدر لها، يعني: انقطاع مدة بقاء العالم، وقال بعضهم: مستقرها: غاية ما ينتهى إليه في صعودها، وارتفاعها لأطول يوم في الصيف، ثم تأخذ حتى تنتهي إلى أقصى مشارق الشتاء لأقصر يوم في السنة.

                                                                            وأما قوله عليه السلام: " مستقرها تحت العرش " ، فلا ننكر أن يكون لها استقرار تحت العرش من حيث لا ندركه ولا نشاهده، وإنما أخبر عن غيب، فلا نكذب به، ولا نكيفه، لأن علمنا لا يحيط به.

                                                                            ويحتمل أن يكون المعنى: أن علم ما سألت عنه من مستقرها تحت العرش في كتاب كتب فيه مبادئ أمور العالم، ونهاياتها، والوقت الذي تنتهي به مدتها، فينقطع دوران الشمس، وتستقر عند ذلك، فيبطل فعلها وهو اللوح المحفوظ.

                                                                            وقال أبو سليمان : وفي هذا، [ ص: 96 ] يعني في الحديث الأول، إخبار عن سجود الشمس تحت العرش، فلا ينكر أن يكون ذلك عند محاذاتها العرش في مسيرها، وليس في سجودها تحت العرش ما يعوقها عن الدأب في سيرها، والتصرف لما سخرت له.

                                                                            وأما قوله عز وجل: ( حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ) ، فهو نهاية مدرك البصر إياها حالة الغروب، ومصيرها تحت العرش للسجود إنما هو بعد الغروب، وليس معنى قوله: ( تغرب في عين حمئة ) ، أنها تسقط في تلك العين فتغمرها، وإنما هو خبر عن الغاية التي بلغها ذو القرنين في مسيره حتى لم يجد وراءها مسلكا، فوجد الشمس تتدلى عند غروبها فوق هذه العين، وكذلك يتراءى غروب الشمس لمن كان في البحر، وهو لا يرى الساحل كأنها تغيب في البحر، والله أعلم.

                                                                            وقوله سبحانه وتعالى: ( الشمس والقمر بحسبان ) ، وقوله عز وجل: ( والشمس والقمر حسبانا ) ، أي: يجريان بحساب معلوم، وعلى منازل ومقادير لا يجاوزانها، قال الله سبحانه وتعالى: ( والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم ) ، وقيل: حسبان جمع حساب، وقوله سبحانه وتعالى: ( وجدها تغرب في عين حمئة ) ، أي: في رأي العين، فمن قرأها: حامية بلا همز، أراد الحارة، ومن قرأ ( حمئة ) بلا ألف مهموزا، أراد عينا ذات حمأة، يقال: حمأت البئر إذا نزعت منها الحمأة، وأحمأتها: إذا ألقيت فيها الحمأة. [ ص: 97 ] .

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية