الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            باب صفة الجنة وأهلها وما أعد الله للصالحين فيها.

                                                                            قال الله سبحانه وتعالى: ( مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار ) ، الآية.

                                                                            أي: صفة الجنة، كقوله: ( ومثل الذين كفروا ) ، وقوله: ( ذلك مثلهم في التوراة ) ، أي: صفتهم، وقال: ( يطاف عليهم بصحاف من ذهب ) ، الآية.

                                                                            وقال الله سبحانه وتعالى: ( إن للمتقين مفازا ) ، إلى قوله: ( عطاء حسابا ) ، أي: جزاء كافيا، يقال: أعطاني فأحسبني، أي: كفاني، وقوله تعالى: ( وكأسا دهاقا ) ، أي: مليئا، وقال مجاهد : متتابعا. [ ص: 202 ] .

                                                                            وقال مجاهد في قوله تعالى: ( على سرر متقابلين ) ، قال: لا ينظر بعضهم في قفا بعض، وقال: ( فهم في روضة يحبرون ) ، أي: ينعمون.

                                                                            وقيل: يسرون بالسماع في الجنة، والحبرة: النعمة، والحبرة: السرور.

                                                                            وقال الله سبحانه وتعالى: ( خالدين فيها لا يبغون عنها حولا ) ، أي: تحولا، وقيل: الحول: الحيلة، أي: لا يحتالون منزلا غيرها.

                                                                            وقوله تعالى: ( ختامه مسك ) ، أي: يوجد في آخره طعم المسك.

                                                                            وقوله: ( وأزلفت الجنة ) ، أي: أدنيت، وقوله عز وجل: ( وأزلفنا ثم الآخرين ) ، أي: أدنيناهم، يعني: إلى الغرف.

                                                                            وقوله سبحانه وتعالى: ( مدهامتان ) ، قال مجاهد : مسودتان، وقال غيره: خضراوان من الري حتى تضرب خضرتهما إلى سواد قليل، يقال: اسودت الخضرة: إذا اشتدت.

                                                                            وقوله سبحانه وتعالى: ( وذللت قطوفها تذليلا ) [ ص: 203 ] ، قال مجاهد : إن قام ارتفع، وإن قعد تدلى إليه القطف.

                                                                            وقيل معناه: أمكنت، فلا تمتنع على طالب، يقال لكل مطيع غير ممتنع: ذليل، ومن غير الناس: ذلول.

                                                                            وقوله تعالى: ( قطوفها دانية ) ، أي: عناقيدها، كلما أرادوا أن يقطفوا منها شيئا، دنا منهم قعودا كانوا أو مضطجعين.

                                                                            وقوله عز وجل: ( عينا فيها تسمى سلسبيلا ) ، قيل: هي اللينة السهلة إذا أدنوها من أفواههم، تسلسلت في أجوافهم.

                                                                            وقوله تعالى: ( من رحيق مختوم ) ، الرحيق: الشراب الذي لا غش فيه.

                                                                            وقوله عز وجل: ( ومزاجه من تسنيم ) ، أي: من عين يأتيهم من علو.

                                                                            وقوله تبارك وتعالى: ( وكأس من معين ) ، أي: خمر، يجري كما يجري الماء على وجه الأرض.

                                                                            وقوله سبحانه وتعالى: ( في عيشة راضية ) ، أي ذات رضى، وقيل: مرضية.

                                                                            وقوله تعالى: ( بأكواب وأباريق ) ، الأكواب: التي لا خراطيم لها، [ ص: 204 ] وإن كان لها خراطيم، فهي أباريق.

                                                                            وقوله سبحانه وتعالى: ( متكئين على رفرف خضر ) ، قيل: الرفرف: المحابس، وقيل: فضول المحابس، وقال أبو عبيدة : الرفرف الفرش، وقيل الرفرف: ما فضل فثني، وقيل: الوسائد، وقيل: رياض الجنة.

                                                                            وقوله سبحانه وتعالى: ( فروح وريحان ) ، قيل: أي: راحة واستراحة، ومن قرأ فروح، بالضم، أي: فحياة دائمة لا موت معها.

                                                                            وقوله سبحانه وتعالى: ( لا يصدعون عنها ولا ينزفون ) ، أي: لا تصدع رؤوسهم، ولا تنزف عقولهم.

                                                                            وقوله تبارك تعالى: ( وزرابي مبثوثة ) ، قيل: زرابي النبت: ألوانه، فلما رأوا الألوان في البسط شبهوها بها.

                                                                            وقوله سبحانه وتعالى: ( خالدين كان على ربك [ ص: 205 ] وعدا مسئولا ) ، هو قول الملائكة: ( ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ) .

                                                                            وقوله تعالى: ( نزلا من عند الله ) ، أي: ثوابا، وقيل: رزقا.

                                                                            وقوله: ( وعندهم قاصرات الطرف ) ، أي: حور قد قصرن طرفهن على أزواجهن، لا ينظرن إلى غيرهم، ومنه قوله عز وجل: ( حور مقصورات ) ، أي: مخدرات.

                                                                            وقوله سبحانه وتعالى: ( ويلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق ) ، السندس: رقيق الديباج، والإستبرق: غليظه، فارسية معربة.

                                                                            وقال الله سبحانه وتعالى: ( لا فيها غول ) ، أي: لا تغتال عقولهم، أي: لا يذهب بها، يقال: غالت الخمر فلانا: إذا ذهبت بعقله وبصحة بدنه.

                                                                            وقوله تعالى: ( ولا هم عنها ينزفون ) ، أي: [ ص: 206 ] لا يسكرون، يقال: نزف الرجل: إذا ذهب عقله بالسكر، وقرئ بكسر الزاي، أي: لا يفنى خمرهم، يقال: أنزف الرجل: إذا فنيت خمره.

                                                                            وقوله سبحانه وتعالى: ( وفرش مرفوعة ) ، أراد بالفرش نساء أهل الجنة ذوات الفرش، يقال لامرأة الرجل: هي فراشه، وإزاره، ولحافه.

                                                                            وقوله: ( مرفوعة ) ، أي: رفعن بالجمال على نساء أهل الدنيا، وكل فاضل رفيع.

                                                                            4370 - أخبرنا أبو علي حسان بن سعيد المنيعي ، أنا أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش الزيادي ، أنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان ، نا أبو الحسن أحمد بن يوسف السلمي ، نا عبد الرزاق ، أنا معمر ، عن همام بن منبه ، قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة ، عن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكر أحاديث منها، قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله سبحانه وتعالى، قال: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر " [ ص: 207 ] .

                                                                            قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والله لقيد سوط أحدكم من الجنة خير له مما بين السماء والأرض " .

                                                                            قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها " .

                                                                            قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أول زمرة تلج الجنة صورهم على صورة القمر ليلة البدر لا يبصقون، ولا يمتخطون، ولا يتغوطون فيها، آنيتهم وأمشاطهم من الذهب والفضة، ومجامرهم من الألوة، ورشحهم المسك، ولكل واحد منهم زوجتان يرى مخ ساقهما من وراء اللحم من الحسن ، لا اختلاف بينهم، ولا تباغض، قلوبهم على قلب واحد، يسبحون الله بكرة وعشيا " [ ص: 208 ] .

                                                                            قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن أدنى مقعد أحدكم من الجنة، أن يقال له: تمن، فيتمنى ويتمنى، فيقال له: هل تمنيت؟ فيقول: نعم، فيقال له: فإن لك ما تمنيت ومثله معه "

                                                                            هذه أحاديث متفق على صحتها، أخرجاها من طرق، عن أبي هريرة ، وغيره.

                                                                            قوله: " لقيد سوط أحدكم " ، أي: قدره، يقال: بيني وبينه قاب رمح، وقاد رمح، وقيد رمح.

                                                                            ويروى: " لقاب قوس أحدكم في الجنة خير من الدنيا " ، وقاب القوس: ما بين السية والمقبض.

                                                                            قوله: " ومجامرهم من الألوة " ، قال الأصمعي : هو العود الذي يتبخر به، وأراها كلمة فارسية عربت، ويجمع الألوة ألاوية.

                                                                            قال أبو عبيد : فيها لغتان: الألوة، والألوة بفتح الألف وضمها.

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية