الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            باب ذكر ابن الصياد.

                                                                            4270 - أخبرنا أبو عمر عبد الواحد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، نا محمد بن إسماعيل ، نا أبو اليمان ، أنا شعيب ، أخبرني الزهري ، أخبرني سالم بن عبد الله ، أن عبد الله بن عمر ، أخبره أن عمر بن الخطاب ، انطلق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رهط من أصحابه قبل ابن صياد ، حتى وجدوه يلعب مع الصبيان في أطم بني مغالة ، وقد قارب ابن صياد يومئذ الحلم، فلم يشعر حتى ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ظهره بيده، ثم قال: "أتشهد أني رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ " فنظر إليه، فقال: أشهد أنك رسول الأميين، ثم قال ابن صياد : أتشهد أني رسول الله؟ فرضه النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم قال: "آمنت بالله ورسله " ، ثم قال لابن صياد : "ماذا ترى؟ " قال: يأتيني صادق وكاذب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "خلط الأمر عليه" ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إني خبأت لك خبيئا" ، فقال: هو الدخ، قال: "اخسأ، فلن تعدو [ ص: 70 ] قدرك" ، قال عمر : يا رسول الله، أتأذن لي فيه أضرب عنقه؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن يكن هو، لا تسلط عليه، وإن لم يكن هو، فلا خير لك في قتله " ، قال سالم : فسمعت ابن عمر يقول: انطلق بعد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بن كعب الأنصاري يؤمان النخل التي فيها ابن صياد ، حتى إذا دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، طفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يتقي بجذوع النخل وهو يختل أن يسمع من ابن صياد شيئا قبل أن يراه، وابن صياد مضطجع على فراشه في قطيفة له فيها رمرمة أو زمزمة، فرأت أم صياد النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتقي بجذوع النخل، فقالت لابن صياد : أي صاف، وهو اسمه، هذا محمد ، فتناهى ابن صياد .

                                                                            قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لو تركته بين" .

                                                                            قال سالم : قال عبد الله : قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم ذكر الدجال، فقال: " إني أنذركموه وما من نبي إلا وقد أنذره قومه، لقد أنذره نوح قومه، ولكني سأقول لكم فيه قولا لم يقله نبي لقومه: تعملون أنه أعور، وأن [ ص: 71 ] الله ليس بأعور " .

                                                                            هذا حديث متفق على صحته، وأخرجه مسلم ، عن حرملة بن يحيى ، عن ابن وهب ، عن يونس ، عن ابن شهاب .

                                                                            وروي عن أبي سعيد الخدري في هذه القصة، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما ترى؟ " ، قال: أرى عرشا على الماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "يرى عرش إبليس على البحر، وما ترى؟ " قال: أرى صادقين وكاذبا، أو كاذبين وصادقا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لبس عليه، دعوه " .

                                                                            قوله: " فرضه " بالضاد المعجمة التي معناها الكسر، قال الخطابي : هو غلط، والصواب: فرصه بالصاد غير المعجمة، أي: تناوله، فضغطه حتى ضم بعضه إلى بعض، ومنه رص البناء، قال الله سبحانه وتعالى: ( كأنهم بنيان مرصوص ) .

                                                                            وقال يونس عن الزهري : فرفضه.

                                                                            وقوله: " خبأت لك خبيئا " كان قد خبأ له: ( يوم تأتي السماء بدخان مبين ) ، والدخ: الدخان.

                                                                            قوله: " فلن تعدو قدرك " ، قال الخطابي : يحتمل وجهين، أحدهما: يريد أنه لا يبلغ قدره أن يطالع الغيب من قبل الوحي الذي يوحى به إلى الأنبياء، ولا من قبل الإلهام الذي يلقى في روح الأولياء، وإنما كان الذي جرى على لسانه [ ص: 72 ] شيئا ألقاه الشيطان، حين سمع النبي صلى الله عليه وسلم يراجع به أصحابه قبل دخوله النخل.

                                                                            والآخر، أي: لن تسبق قدر الله فيك وفي أمرك.

                                                                            وقد يستدل به بعض أهل العلم على صحة إسلام غير البالغ، ولولا ذلك لم يستكشفه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإيمان وهو إذ ذاك غير بالغ.

                                                                            وقوله: " يختل " ، أي: يطلب أن يأتيه من حيث لا يعلم، فيسمع ما يقوله في خلوته، ومنه ختل الصيد وهو أن يؤتى من حيث لا يشعر، فيصاد.

                                                                            قوله: " له فيها رمرمة أو زمزمة " ، وقال يونس عن الزهري : زمزمة بالزاي، وقال عقيل عن الزهري : رمرمة بالراء، وقال معمر عن الزهري : رمزة، ويروى: زمرة، أي: رمزة.

                                                                            قلت: هذه ألفاظ معانيها متقاربة، الرمرمة تكون بمعنى الحركة، ففي حديث عائشة " كان له عليه السلام وحش، فإذا خرج لعب، وإذا جاء ربض، فلم يترمرم ما دام في البيت " ، أي: لم يتحرك، والزمزمة بالزاي: الصوت، يقال: زمزم يزمزم زمزمة: إذا صوت، وقيل في شأن زمزم : سميت به لصوت كان من جبريل عندها يشبه الزمزمة، وقيل: لأن هاجر زمت الماء بالتحجير عليه، وأصلها زمم، ومن قال رمزة، فمن الرمز وهو الإشارة، وقد يكون بالعينين والحاجبين والشفتين، وأصله الحركة، وقوله سبحانه وتعالى: ( إلا رمزا ) ، قال مجاهد : إيماء بشفتيه، ومن قال: زمرة [ ص: 73 ] بتقديم الزاي المعجمة، فلعله كان يتغنى مع نفسه بشيء، قال الأصمعي : زمر: إذا غنى، وفي الحديث: " نهى عن كسب الزمارة " ، قيل: معناه المغنية.

                                                                            قوله: " لو تركته بين " ، أي: بين ما في نفسه.

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية