الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            باب شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم .

                                                                            قال الله سبحانه وتعالى: ( ولسوف يعطيك ربك فترضى ) ، وقال سبحانه وتعالى: ( عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ) .

                                                                            روي عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، " في قوله عز وجل: ( عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ) ، سئل عنها، قال: هي الشفاعة " .

                                                                            وقال زيد بن أسلم في قوله عز وجل: ( أن لهم قدم صدق عند ربهم ) ، قال: محمد صلى الله عليه وسلم .

                                                                            4332 - أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة الكشميهني ، أنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن الحارث ، أنا أبو الحسن محمد بن يعقوب [ ص: 153 ] الكسائي ، أنا عبد الله بن محمود ، أنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله الخلال ، نا عبد الله بن المبارك ، عن أبي حيان التيمي ، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير ، عن أبي هريرة ، قال: أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بلحم، فرفع إليه الذراع، وكانت تعجبه، فنهس منها نهسة، ثم قال: " أنا سيد الناس يوم القيامة، وهل تدرون مم ذلك؟ يجمع الله الناس الأولين والآخرين في صعيد واحد يسمعهم الداعي، وينفذهم البصر، وتدنو الشمس، فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون، ولا يحتملون، فيقول الناس بعضهم لبعض: ألا ترون ما قد بلغكم؟ ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم؟ فيقول الناس بعضهم لبعض: عليكم بآدم ، فيأتون آدم ، فيقولون له: يا آدم ، أنت أبو البشر خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة، فسجدوا لك، فاشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم آدم : إن ربي قد غضب اليوم غضبا، لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنه قد نهاني عن الشجرة، فعصيته، نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى نوح . [ ص: 154 ] .

                                                                            فيأتون نوحا ، فيقولون: يا نوح ، أنت أول الرسل إلى أهل الأرض، وقد سماك الله عبدا شكورا، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ قال: فيقول: إن ربي قد غضب اليوم غضبا، لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنه قد كانت لي دعوة دعوتها على قومي، نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى إبراهيم .

                                                                            فيأتون إبراهيم ، فيقولون: يا إبراهيم ، أنت نبي الله وخليله من أهل الأرض، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول: إن ربي قد غضب اليوم غضبا، لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإني قد كذبت ثلاث كذبات " فذكرهن أبو حيان " نفسي نفسي نفسي، اذهبوا [ ص: 155 ] إلى غيري، اذهبوا إلى موسى .

                                                                            فيأتون موسى ، فيقولون: يا موسى ، أنت رسول الله، فضلك برسالاته وبكلامه على الناس، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول: إن ربي قد غضب اليوم غضبا، لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، إني قد قتلت نفسا لم أؤمر بقتلها، نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى عيسى .

                                                                            فيأتون عيسى ، فيقولون: يا عيسى ، أنت رسول الله، وكلمته ألقاها إلى مريم، وروح منه، وكلمت الناس في المهد، اشفع لنا، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول عيسى : إن ربي قد غضب اليوم غضبا، لم يغضب قبله، ولن يغضب بعده مثله، ولم يذكر ذنبا، نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى محمد ، فيأتون محمدا صلى الله عليه وسلم ، فيقولون: [ ص: 156 ] يا محمد ، أنت رسول الله، وخاتم الأنبياء، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فأنطلق فآتي تحت العرش، فأقع ساجدا لربي، ثم يفتح الله علي من محامده، وحسن الثناء عليه شيئا لم يفتحه على أحد قبلي، ثم يقال: يا محمد ، ارفع رأسك، سل تعطه، واشفع تشفع.

                                                                            فأرفع رأسي، فأقول: أمتي يا رب، أمتي يا رب، أمتي يا رب، فيقال: يا محمد ، أدخل من أمتك من لا حساب عليه من الباب الأيمن من أبواب الجنة، وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب، ثم قال: والذي نفسي بيده، إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة كما بين مكة وحمير، وكما بين مكة وبصرى "
                                                                            .

                                                                            أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، نا محمد بن إسماعيل ، حدثني محمد بن مقاتل ، عن عبد الله بن المبارك ، بهذا الإسناد مثله.

                                                                            هذا حديث متفق على صحته، وأخرجه مسلم ، عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن محمد بن [ ص: 157 ] بشر ، عن أبي حيان .

                                                                            قوله: " ينفذهم البصر " ، قال أبو عبيد : المعنى أنه ينفذهم بصر الرحمن حتى يأتي عليهم كلهم.

                                                                            قال الكسائي : نفذني بصره: إذا بلغني وجاوزني.

                                                                            قال ابن عون : يقال: أنفذت القوم: إذا خرقتهم ومشيت في وسطهم، فإن جزتهم حتى تخلفهم.

                                                                            قلت: نفذتهم بلا ألف، وقال غير أبي عبيد : تخرقهم أبصار الناس لاستواء الصعيد، والله سبحانه وتعالى أحاط بالناس أولا وآخرا.

                                                                            قوله: " غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله " ، أراد به إظهار الغضب في ذلك الوقت، وإلا فالغضب والرضى من صفات الله عز وجل، لم يزل موصوفا بهما قبل أن خلق الخلق، وكذلك جميع صفات الله تعالى.

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية