الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                          صفحة جزء
                                                                          2725 - (بخ س) : شريح بن الحارث بن قيس بن الجهم بن [ ص: 436 ] معاوية بن عامر بن الرائش بن الحارث بن معاوية بن ثور بن مرتع بن كندة الكندي ، أبو أمية الكوفي القاضي ، ويقال : شريح بن شرحبيل ، ويقال : ابن شراحيل ، ويقال : إنه من أولاد الفرس الذين كانوا باليمن ، أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يلقه على الصحيح .

                                                                          قال يحيى بن معين : كان في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يسمع منه ، استقضاه عمر بن الخطاب على الكوفة ، وأقره علي بن أبي طالب ، وأقام على القضاء بها ستين سنة ، وقضى بالبصرة سنة ، ويقال : قضى بالكوفة ثلاثا وخمسين سنة ، وبالبصرة سبع سنين .

                                                                          روى عن : النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلا ، وعن زيد بن ثابت ، وعبد الله بن مسعود (س) ، وعبد الرحمن بن أبي بكر الصديق ، [ ص: 437 ] وعروة البارقي ، وعلي بن أبي طالب (س) ، وعمر بن الخطاب (س) .

                                                                          روى عنه : إبراهيم النخعي (س) ، وأنس بن سيرين ، وتميم بن سلمة ، وسعيد بن حيان التيمي ، وشريح بن الحارث الكوفي آخر غيره ، وأبو وائل شقيق بن سلمة ، وعامر الشعبي (بخ س) ، والعباس بن ذريح ، وعبد الأعلى بن عامر ، وأبو قيس عبد الرحمن بن ثروان ، وعبد العزيز بن رفيع ، وعبيد بن نسطاس والد أبي يعفور الكوفي ، وأبو حصين عثمان بن عاصم الأسدي ، وعطاء بن السائب ، وعمر بن قيس الماصر ، وقيس بن أبي حازم ، وقيس بن زيد ، ومجاهد بن جبر المكي ، ومحمد بن سيرين ، ومرة الطيب ، ومغراء الضبي ، ومغيرة الثقفي والد هشام بن المغيرة ، وابن أبي صفية الكوفي (س) ، وأم داود الوابشية .

                                                                          قال علي بن عبد الله بن معاوية بن ميسرة بن شريح الشريحي : حدثني أبي عن أبيه معاوية ، عن أبيه ميسرة ، عن أبيه شريح قال : وليت القضاء لعمر وعثمان وعلي ومعاوية ، ويزيد بن معاوية ولعبد الملك إلى أيام الحجاج فاستعفيت الحجاج ، قال : وكان له مائة وعشرون سنة وعاش بعد استعفائه الحجاج سنة ثم مات .

                                                                          وقال ضمرة بن ربيعة ، عن حفص بن عمر : قضى شريح ستين سنة .

                                                                          وقال علي ابن المديني : ولي شريح البصرة سبع سنين في زمن [ ص: 438 ] زياد ، وولي الكوفة ثلاثا وخمسين سنة ، قال علي : ويقال : تعلم شريح العلم من معاذ بن جبل .

                                                                          وقال معاوية بن صالح ، عن يحيى بن معين : قضى شريح لعمر وللحجاج بن يوسف .

                                                                          وقال حنبل بن إسحاق ، عن يحيى بن معين : شريح بن هانئ كوفي ، وشريح بن أرطاة كوفي وشريح القاضي أقدم منهما وهو ثقة .

                                                                          وقال أحمد بن عبد الله العجلي : شريح بن الحارث الكندي القاضي كوفي تابعي ثقة .

                                                                          وقال أيوب بن جابر ، عن أبي حصين : كان شريح إذا قيل له : ممن أنت ؟ قال : ممن أنعم الله عليه بالإسلام ، ثم عديد لكندة ، ويقال : إنما خرج إلى المدينة لأن أمه تزوجت بعد أبيه فاستحيى من ذلك فخرج وكان شاعرا قائفا .

                                                                          وقال أيوب السختياني ، عن محمد بن سيرين : كان شريح شاعرا وكان زاجرا ، وكان قائفا ، وكان كوسجا ، وكان قاضيا .

                                                                          وقال حفص بن غياث ، عن أشعث ، عن محمد بن سيرين : أدركت الكوفة وبها أربعة ممن يعد بالفقه ، فمن بدأ بالحارث ثنى بعبيدة ، [ ص: 439 ] ومن بدأ بعبيدة ثنى بالحارث ثم علقمة الثالث ثم شريح الرابع ، قال : ثم يقول ابن سيرين : وإن أربعة أخسهم شريح لخيار .

                                                                          وقال علي بن عابس ، عن أشعث ، عن ابن سيرين : قدمت الكوفة وبها أربعة آلاف يطلبون الحديث ، وسرج أهل الكوفة أربعة : عبيدة السلماني ، والحارث الأعور ، وعلقمة بن قيس ، وشريح وكان أخسهم .

                                                                          وقال عبد الله بن إدريس ، عن عمه ، عن الشعبي : أحدثك عن القوم كأنك شاهدهم ، كان شريح أعلم القوم بالقضاء ، وكان عبيدة يوازي شريحا في علم القضاء ، وأما علقمة فانتهى إلى قول عبد الله لم يجاوزه ، وأما مسروق فأخذ من كل ، وأما الربيع بن خثيم فأقل القوم علما وأورعهم ورعا ، قال : وكان من كلام شريح : الخصم داؤك والشهود شفاؤك .

                                                                          وقال الأعمش ، عن أبي وائل : كان شريح يقل غشيان عبد الله ، فقيل له : ولم ؟ قال : للاستغناء .

                                                                          وقال سيار أبو الحكم ، عن الشعبي : أخذ عمر بن الخطاب فرسا من رجل فحمل عليه رجلا فعطب عنده فحاكمه الرجل ، فقال : اجعل بيني وبينك رجلا ، قال الرجل : فإني أرضى بشريح العراقي ، فأتوا شريحا ، فقال شريح لعمر : أخذته صحيحا سليما فأنت له ضامن حتى ترده صحيحا ، فأعجب عمر بن الخطاب فبعثه قاضيا .

                                                                          [ ص: 440 ] وقال أبو إسحاق السبيعي ، عن هبيرة بن يريم : إن عليا جمع الناس في الرحبة ، وقال : إني مفارقكم ، فاجتمعوا في الرحبة رجال أيما رجال ، فجعلوا يسألونه حتى نفد ما عندهم ولم يبق إلا شريح ، فجثا على ركبتيه وجعل يسأله ، فقال له علي : اذهب فأنت أقضى العرب .

                                                                          وقال شعيب بن الحبحاب ، عن إبراهيم : إن شريحا كان إذا خرج للقضاء ، قال : سيعلم الظالمون حظ من نقصوا إن الظالم ينتظر العقاب ، وإن المظلوم ينتظر النصر .

                                                                          وقال سفيان الثوري ، عن أبي حصين : اختصم إلى شريح رجلان فقضى على أحدهما ، فقال : قد علمت من حيث أتيت ، فقال له شريح : لعن الله الراشي والمرتشي والكاذب .

                                                                          وقال الهيثم بن عدي ، عن مجالد ، عن الشعبي : شهدت شريحا وجاءته امرأة تخاصم رجلا ، فأرسلت عينها ، فقلت : يا أبا أمية ما أظنها إلا مظلومة ، فقال : يا شعبي إن إخوة يوسف جاؤوا أباهم عشاء يبكون .

                                                                          وقال عبد الله بن عون ، عن إبراهيم : إن رجلا أقر عند شريح بشيء ثم ذهب ينكر ، فقال شريح : قد شهد عليك ابن أخت خالتك ! وقال سفيان بن عيينة ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : اختصم إلى شريح في ولد هرة ، فقالت امرأة : هو ولد هرتي ، وقالت الأخرى : [ ص: 441 ] هو ولد هرتي ، فقال شريح : ألقيها مع هذه فإن هي قرت ودرت واسبطرت فهي لها ، وإن هي هرت وفرت وأزبأرت فليس لها .

                                                                          قال أبو محمد بن قتيبة في هذا الحديث : قوله : اسبطرت : يريد امتدت للإرضاع ، يقال : اسبطر الشيء : إذا امتد ، وأزبأرت اقشعرت وتنفشت .

                                                                          وقال عبد الله بن إدريس ، عن عبد الله بن أبي السفر ، عن الشعبي : ما نعلم أحدا انتصف من شريح إلا أعرابي أتاه في خصومة فجعل يكلمه ويمسه بيده ، فقال له شريح : إن لسانك أطول من يدك ، فقال له الأعرابي : أسامري فلا يمس ، قال : فلما أراد أن يقوم ، قال له شريح : إني لم أرد بهذا سوءا فقال له الأعرابي : ولا أجرمت إليك .

                                                                          قال عبد الله بن إدريس : وكانت القضاة تكره أن يقوم الخصم وهو غضبان .

                                                                          وقال عمرو بن دينار ، عن أبي الشعثاء جابر بن زيد البصري : أتانا زياد بشريح فقضى فينا سنة لم يقض فينا مثله قبله ولا بعده .

                                                                          وقال سفيان الثوري ، عن رجل ، عن شريح ، قال : قيل له : بأي شيء أصبت هذا العلم ؟ قال : بمفاوضة للعلماء آخذ منهم وأعطيهم .

                                                                          [ ص: 442 ] وقال أيوب ، عن محمد بن سيرين : قال شريح : إنما أقتفي الأثر فما وجدت في الأثر ، حدثتكم .

                                                                          وقال أبو بكر الهذلي ، عن الشعبي : سمعت شريحا جاءه رجل من مراد ، فقال : يا أبا أمية كم دية الأصابع ؟ قال : عشر عشر ، قال : يا سبحان الله أسواء هاتان - وجمع بين الخنصر والإبهام - ؟ فقال شريح : يا سبحان الله أسواء أذنك ويدك ؟ فإن الأذن تواريها العمامة ، والشعر والكمة فيها نصف الدية ، وفي اليد نصف الدية ، ويحك إن السنة سبقت قياسكم فاتبع ولا تبتدع ، فإنك لن تضل ما أخذت بالأثر .

                                                                          قال أبو بكر : قال لي الشعبي : يا هذلي لو أن أحنفكم قتل وهذا الصبي في مهده أكان ديتهما سواء ؟ قلت : نعم ، قال : فأين القياس .

                                                                          وقال أشعث بن سوار ، عن الشعبي : خرجت في العيد مع مسروق وشريح ، وكان من أكثر أهل الكوفة صلاة فما صليا قبلها ولا بعدها .

                                                                          وقال جرير ، عن مغيرة : كان شريح يدخل يوم الجمعة بيتا يخلو فيه لا يدري الناس ما يصنع فيه .

                                                                          وقال الأعمش ، عن أبي وائل : قال لي شريح في الفتنة - يعني : فتنة ابن الزبير - : ما أخبرت ولا استخبرت ولا ظلمت مسلما ولا معاهدا دينارا ولا درهما ، قال : قلت له : لو كنت على حالك لأحببت [ ص: 443 ] أن أكون قد مت ، فأومأ إلى قلبه ، فقال : كيف بهذا ، وفي رواية قال : فكيف بما في صدري تلتقي الفئتان إحداهما أحب إلي من الأخرى .

                                                                          وقال أبو حيان التيمي ، عن أبيه : كان شريح ليس له مثعب شارع إلا في داره ، وكان يموت السنور لأهله فيأمر به فيدفن في داره اتقاء أذى المسلمين .

                                                                          وقال الرياشي ، عن الأصمعي : قال رجل لشريح : لقد بلغ الله بك يا أبا أمية ، قال : إنك لتذكر النعمة في غيرك وتنساها فيك ، قال : إني والله لأحسدك على ما أرى ، قال : ما يفعل الله بهذا ولا ضرني .

                                                                          وقال هشام بن الكلبي ، عن أبيه : أتى شريح سوق الإبل بناقة يبيعها فسامه بها أعرابي ، فقال : كيف سيرها ؟ قال : خذ الزمام بشمالك والسوط بيمينك ، وعليك الطريق ، قال : كيف حملها ، قال : الحافظ احمل عليه ما شئت ، قال : كيف حلبها ؟ قال : قرب المحلب وشأنك ، قال : كم الثمن ؟ قال : ثلاث مائة درهم ، فوزن له الثمن ، فلما مضى بها إذا هي بطيئة السير قليلة الحلب ، وقد قال له : إن رأيت ما تحب وإلا فسل عن جبانة كندة ، عن شريح بن الحارث ، فأقبل يسأل عنه فرآه في المسجد ، والخصوم بين يديه ، فقال : ديان أيضا ، لا حاجة لنا في ناقتك ، قال : يا غلام خذ الناقة واردد عليه دراهمه .

                                                                          وقال أبو بكر محمد بن الحسن بن زياد النقاش ، عن أحمد بن عبد الرحيم ، عن وكيع ، عن الأعمش ، عن الشعبي : سئل شريح القاضي عن الجراد ، فقال : قبح الله الجرادة فيها خلقة سبعة جبابرة ، [ ص: 444 ] رأسها رأس فرس ، وعنقها عنق ثور ، وصدرها صدر أسد ، وجناحها جناح نسر ، ورجلاها رجلا جمل ، وذنبها ذنب حية ، وبطنها بطن عقرب .

                                                                          وقال الهيثم بن عدي ، عن مجالد بن سعيد : قلت للشعبي : يقال في المثل : إن شريحا أدهى من الثعلب ، وأحيل فما هذا ؟ فقال لي : ذاك أن شريحا خرج أيام الطاعون إلى النجف ، فكان إذا قام يصلي يجيء ثعلب فيقف تجاهه فيحاكيه ويخيل بين يديه فيشغله عن صلاته ، فلما طال ذلك عليه نزع قميصه فجعله على قصبة وأخرج كميه وجعل قلنسوته وعمامته عليه ، فأقبل الثعلب فوقف على عادته ، فأتاه شريح من خلفه فأخذه بغتة ، فلذلك يقال : هو أدهى من الثعلب وأحيل .

                                                                          قال شريك ، عن يحيى بن قيس الكندي : أوصى شريح أن يصلى عليه بالجبانة وأن لا يؤذن به أحد ولا تتبعه صائحة ، وأن لا يجعل على قبره ثوب ، وأن يسرع به السير ، وأن يلحد له .

                                                                          وقال محمد بن إسماعيل الأحمسي ، عن المحاربي : زعم أشعث بن سوار أن شريحا مات وهو ابن مائة وعشر سنين ، وفي رواية أخرى : عن أشعث بن سوار أنه مات وله مائة وعشرون سنة .

                                                                          وقال أبو بكر بن أبي شيبة ، وأبو عبيد ، والهيثم بن عدي ، وأبو نعيم ، وغير واحد : مات سنة ثمان وسبعين .

                                                                          [ ص: 445 ] زاد أبو نعيم : زمن مصعب بن الزبير وهو ابن مائة وثمان سنين بعد ما عزل عن القضاء بسنتين .

                                                                          وقال خليفة بن خياط ، ومحمد بن عبد الله بن نمير ، وغير واحد : مات سنة ثمانين .

                                                                          وقال المدائني : مات سنة اثنتين وثمانين .

                                                                          وقال خليفة في موضع آخر : مات سنة سبع وثمانين .

                                                                          وقال أبو نعيم في رواية أخرى : مات سنة ثلاث وتسعين ، وفي رواية أخرى : سنة ست وتسعين .

                                                                          وقال علي بن عبد الله التميمي : مات سنة سبع وتسعين .

                                                                          قال : ويقال : سنة تسع وتسعين .

                                                                          قال البخاري في " الأحكام " من " الجامع " : وقال شريح القاضي وسأله رجل شهادة ، فقال : ائت الأمير حتى أشهد لك .

                                                                          وقال فيه أيضا : وقضى شريح والشعبي ، ويحيى بن يعمر في المسجد .

                                                                          وروى له في " الأدب " قوله ، وروى له النسائي .

                                                                          التالي السابق


                                                                          الخدمات العلمية