الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            باب السلب للقاتل.

                                                                            2724 - أخبرنا أبو الحسن الشيرزي، أنا زاهر بن أحمد، أنا أبو إسحاق الهاشمي، أنا أبو مصعب، عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن عمر بن كثير بن أفلح، عن أبي محمد مولى أبي قتادة الأنصاري، عن أبي قتادة الأنصاري، ثم السلمي، أنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حنين، فلما التقينا، كانت للمسلمين جولة، قال: فرأيت رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين، فاستدرت له حتى أتيته من ورائه، فضربته على حبل عاتقه ضربة، فقطعت الدرع، قال: وأقبل [ ص: 106 ] علي، فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت، ثم أدركه الموت، فأرسلني، فلحقت عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقلت له: ما بال الناس؟ قال: أمر الله، قال: ثم إن الناس رجعوا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قتل قتيلا له عليه بينة، فله سلبه"، قال أبو قتادة: فقمت، ثم قلت: من يشهد لي؟ ثم جلست، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قتل قتيلا له عليه بينة، فله سلبه"، قال أبو قتادة: فقمت، ثم قلت: من يشهد لي؟ ثم جلست، ثم قال ذلك الثالثة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما لك يا أبا قتادة؟"، فاقتصصت عليه القصة، فقال رجل من القوم: صدق يا رسول الله، وسلب ذلك القتيل عندي، فأرضه عنه، فقال أبو بكر رضي الله عنه: لا ها الله إذا لا يعمد إلى أسد من أسود الله يقاتل عن الله، وعن رسوله، فيعطيك سلبه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صدق، فأعطه إياه"، قال أبو قتادة: فأعطانيه، فبعت الدرع، فابتعت به مخرفا في بني سلمة، فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام.

                                                                            هذا حديث متفق على صحته، أخرجه محمد، عن عبد الله بن يوسف، [ ص: 107 ] وأخرجه مسلم، عن أبي الطاهر، عن عبد الله بن وهب، كلاهما عن مالك.

                                                                            وأبو محمد مولى أبي قتادة : اسمه نافع .

                                                                            قوله : فضربته على حبل عاتقه " ، حبل العاتق : عرق يظهر على عاتق الرجل ، ويتصل بحبل الوريد ، في باطن العنق .

                                                                            وقوله : لاها الله إذا ، قال الخطابي : والصواب : لاها الله ذا بغير ألف قبل الذال ، ومعناه في كلامهم ، لا والله ، يجعلون الهاء مكان الواو ، ومعناه : لا والله يكون ذا .

                                                                            والمخرف بفتح الميم : يريد حائط نخل يخترف منه الثمر ، أي : يجتنى ، والمخرف بكسر الميم : الوعاء الذي يخترف فيه الثمر .

                                                                            وقوله : تأثلته ، أي : جعلته أصل مال ، يقال : تأثل ملك فلان : إذا كثر ماله ، وأثلة كل شيء : أصله .

                                                                            وفي الحديث دليل على أن كل مسلم قتل مشركا في القتال يستحق سلبه من بين سائر الغانمين ، وأن السلب لا يخمس قل ذلك أم كثر ، وروي أن سلمة بن الأكوع قتل مشركا ، فجاء بجمله يقوده عليه رحله وسلاحه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " من قتل الرجل؟ " ، قالوا : ابن الأكوع ، قال : " له سلبه أجمع " ، وسواء نادى الإمام بذلك أو لم يناد ، وسواء كان القاتل بارز المقتول ، أو لم يبارزه ، لأن أبا قتادة قتل القتيل قبل [ ص: 108 ] قول النبي صلى الله عليه وسلم : " من قتل قتيلا فله سلبه " ، ولم يكن بينهما مبارزة ، ثم جعل النبي صلى الله عليه وسلم جميع سلبه له ، فكان ذلك القول من الرسول صلى الله عليه وسلم شرع حكم ، وهذا قول جماعة من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم أن جميع سلب المقتول لقاتله ، وإن لم يكن الإمام نادى به ، ولا يخمس عند كثير منهم ، وإليه ذهب الأوزاعي ، والشافعي ، وأبو ثور ، غير أن الشافعي يشرط أن يكون الكافر المقتول مقبلا على القتال ، فأما بعد ما ولى ظهره منهزما إذا قتله ، أو أجهز على جريح عجز عن القتال ، فلا يستحق سلبه إلا أن يكون القاتل هو الذي هزمه أو أثخنه .

                                                                            وقال بعضهم : يخمس السلب ، فخمسه لأهل الخمس ، والباقي للقاتل ، روي ذلك عن عمر ، وهو قول آخر للشافعي ، والأول أولى ، لأنه كما اختص به من بين سائر الغانمين ، كذلك يختص به من بين أهل الخمس ، وقال إسحاق : السلب للقاتل إلا أن يكون كثيرا ، فرأى الإمام أن يخرج منه الخمس ، كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه فله ذلك .

                                                                            وذهب قوم إلى أنه نادى الإمام أن من قتل قتيلا فله سلبه ، فيكون له على وجه التنفيل ، فأما إذا لم يكن سبق النداء فلا يستحقه ، وهو قول مالك ، والثوري ، وأصحاب الرأي ، وقال أحمد : إنما يستحق السلب من قتل قرنه في المبارزة دون من لم يبارز .

                                                                            والسلب الذي يستحقه القاتل كل ما يكون على المقتول من ثوب ، وسلاح ، ومنطقة ، وفرسه الذي هو راكبه ، أو ممسكه ، هذا قول الشافعي رضي الله عنه .

                                                                            وقال الأوزاعي : له فرسه الذي قاتل عليه ، وسلاحه ، وتاجه ، ومنطقته ، وخاتمه ، وما كان في سرجه وسلاحه من حليه ، [ ص: 109 ] ولا يكون له الهميان ، ولا الدراهم ، والدنانير التي لا يتزين بها للحرب ، بل هي غنيمة ، وعلق الشافعي القول في التاج ، والسوار ، والطوق ، وما ليس من آلة الحرب .

                                                                            وقال أحمد : المنطقة فيها الذهب والفضة من السلب ، والفرس ليس من السلب .

                                                                            وسئل عن السيف ، فقال : لا أدري ، وقيل للأوزاعي : يسلبون حتى يتركوا عراة ، فقال : أبعد الله عورتهم ، وكره الثوري أن يتركوا عراة .

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية