الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            2733 - أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر، أنا عبد الغافر بن محمد، أنا محمد بن عيسى، نا إبراهيم بن محمد بن سفيان، نا مسلم بن حجاج، حدثني عمرو الناقد، نا إسماعيل بن علية، عن الجريري، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري، قال: لم نعد أن فتحت خيبر، فوقعنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك البقلة الثوم، والناس جياع، فأكلنا منها أكلا شديدا، ثم رحنا إلى المسجد، فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم الريح، فقال: "من أكل من هذه الشجرة الخبيثة، فلا يقربنا في المسجد"، فقال الناس: حرمت، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "يا أيها الناس، إنه ليس بي من تحريم ما أحل الله لي، ولكنها شجرة أكره ريحها". [ ص: 122 ] .

                                                                            هذا حديث صحيح.

                                                                            قال الإمام : اتفق أهل العلم أنه إذا كان في الغنيمة طعام يجوز للغزاة أكله قبل القسمة على قدر الحاجة ما داموا في دار الحرب ، وأنه لا يخمس في جملة من يخمس من الغنيمة ، وهو مخصوص بالسنة كالسلب للمقاتل ، ورخص أكثر أهل العلم في علف الدواب ، ورأوه في معنى الطعام للحاجة إليه .

                                                                            وقال مالك : أرى الإبل ، والبقر ، والغنم ، بمنزلة الطعام يأكل منها الناس إذا دخلوا أرض العدو ، وقال الشافعي : فإن أكل فوق الحاجة ، أدى ثمنه في المغنم ، وكذلك إن شرب شيئا من الأدوية والأشربة التي لا تجرى مجرى الأقوات ، أو أطعم صقوره ، وبزاته لحما منه ، أدى قيمته في المغنم ، وليست يده على طعام الغنيمة في دار الحرب يد ملك حقيقة ، إنما له يد الارتفاق ، والانتفاع به قدر الحاجة ، ولا يجوز بيع شيء منه ، كالضيف يأكل الطعام ولا يبيعه ، روي عن أبي سعيد الخدري ، قال : " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شراء الغنائم حتى تقسم " .

                                                                            واختلفوا فيما يخرج به من دار الحرب من طعام الغنيمة ، فذهب أكثرهم إلى أنه يرده إلى الإمام ، وهو قول الثوري ، وأبي حنيفة ، وأصح قولي الشافعي ، وقال في موضع : ما كان له حمله لا يجب رده ، [ ص: 123 ] وهو قول الأوزاعي ، إلا أنه قال : لا يجوز له بيعه ، إنما له الأكل ، وكان مالك يرخص في القليل من الخبز ، واللحم ونحوهما ، قال : لا بأس أن يأكله في أهله ، وكذلك قال أحمد بن حنبل .

                                                                            ولا يجوز استعمال متاع الغنيمة قبل القسمة ، ولا ركوب دوابها ، ولا لبس ثيابها إلا لضرورة من برد يشتد عليه فيستدفئ بالثوب .

                                                                            روي عن حنش الصنعاني ، عن رويفع بن ثابت ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال يوم حنين : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فلا يركب دابة من فيء المسلمين حتى إذا أعجفها ردها فيه ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فلا يلبس ثوبا من فيء المسلمين حتى إذا أخلقه ، رده فيه " .

                                                                            فأما في حال قيام الحرب ، يجوز استعمال سلاحهم ودوابهم ، حز عبد الله بن مسعود رأس أبي جهل بسيفه .

                                                                            وقال مالك : إذا كان شيئا خفيفا فلا بأس أن يرتفق به آخذه دون أصحابه . [ ص: 124 ] .

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية