الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            2727 - أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أنا محمد بن يوسف، نا محمد بن إسماعيل، نا يحيى بن بكير، نا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن سالم، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "كان ينفل بعض من يبعث من السرايا لأنفسهم خاصة سوى قسم عامة الجيش".

                                                                            هذا حديث متفق على صحته، أخرجه مسلم، عن عبد الملك بن شعيب بن الليث، عن أبيه، عن جده، عن عقيل بن خالد.

                                                                            وقد روي عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر : " من فعل كذا وكذا ، فله من النفل كذا وكذا " . [ ص: 113 ] .

                                                                            وروي عن حبيب بن مسلمة الفهري ، قال : شهدت النبي صلى الله عليه وسلم " نفل الربع في البداءة ، والثلث في الرجعة " .

                                                                            قال أبو سليمان الخطابي : البداء إنما هي ابتداء سفر الغزو ، وإذا نهضت سرية من جملة العسكر فأوقعت بطائفة من العدو ، فما غنموا كلهم لهم منها الربع ، ويشركهم سائر العسكر في ثلاثة أرباعه ، فإن قفلوا من الغزو ، ثم رجعوا ، فأوقعوا بالعدو ثانية ، كان لهم مما غنموا الثلث ، لأن نهوضهم بعد القفل أشق ، والخطر فيه أعظم .

                                                                            قال الإمام : أشار إلى أن تخصيص بعض الجيش بالثلث والربع لنهوضهم إلى ملاقاة العدو من بين سائر القوم جائز ، ثم تخصيص إحدى الطائفتين من الناهضين بالزيادة ، لزيادة خطرهم ومشقتهم .

                                                                            واختلف أهل العلم في إعطاء النفل ، وأنه من أين يعطى ، فحكي عن مالك أنه كان يكره أن يقول الإمام : من قتل فلانا ، أو قاتل في موضع كذا ، فله كذا ، أو يبعث سرية من العسكر في وجه على أن ما غنموا ، فلهم نصفه ، وجوزه الآخرون ، وأثبتوا به النفل ، وإليه ذهب الثوري ، والأوزاعي ، والشافعي وأحمد ، واختلفوا في أن النفل من أين يعطى ، فذهب جماعة إلى أنه من خمس الخمس سهم النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو قول سعيد بن المسيب ، وإليه ذهب الشافعي ، وأبو عبيد ، وقالوا : " كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطيهم من ذلك " . [ ص: 114 ] .

                                                                            وهذا معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : " ما لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس ، والخمس مردود فيكم " .

                                                                            قال الإمام : وقوله يوم بدر : " من فعل كذا فله كذا " ، فهو أيضا من خاص حقه ، لأن الأنفال يومئذ كانت له خاصة ، كما قال الله سبحانه وتعالى : ( يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول ) ، وذهب بعضهم إلى أن النفل من الأربعة الأخماس بعد إخراج الخمس ، وهو قول أحمد ، وإسحاق ، لما روي عن حبيب بن مسلمة الفهري ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم " ينفل الثلث بعد الخمس " .

                                                                            قال الإمام : وقد صح في حديث ابن شهاب ، عن سالم ، عن ابن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان " ينفل بعض من يبعث من السرايا لأنفسهم خاصة سوى قسم عامة الجيش " والخمس في ذلك واجب كله .

                                                                            وذهب بعضهم إلى أن النفل من رأس الغنيمة ، كما أن السلب يكون من جملة الغنيمة قبل الخمس ، وهو قول أبي ثور ، لما روي عن محمد بن إسحاق ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : " بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية إلى نجد " ، فخرجت معها ، فأصبنا نعما كثيرا فنفلنا أميرنا بعيرا لكل إنسان ، ثم قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، " فقسم بيننا غنيمتنا " ، فأصاب كل رجل منا اثنا عشر بعيرا بعد الخمس ، " وما حاسبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي أعطانا ، ولا عاب عليه ما صنع " ، فكان لكل رجل منا ثلاثة عشر بعيرا .

                                                                            قال مالك : ذلك على وجه [ ص: 115 ] الاجتهاد من الإمام في أول المغنم ، أو آخره .

                                                                            قال عمر رضي الله عنه : " لا يعطى من المغانم شيء حتى تقسم إلا لراع أو دليل " .

                                                                            أراد بالراعي : عين القوم على العدو .

                                                                            واختلفوا في قدر النفل ، فقال مكحول ، والأوزاعي : لا يجاوز به الثلث ، وقال آخرون : ليس له حد لا يجاوزه ، وإنما هو إلى اجتهاد الإمام ، وهو قول الشافعي رضي الله عنه .

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية