الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            2772 - أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أنا محمد بن يوسف، نا محمد بن إسماعيل، نا قبيصة، نا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، عن همام بن الحارث، عن عدي بن حاتم، قال: قلت: يا رسول الله، إنا نرسل الكلاب المعلمة؟ قال: "كل مما أمسكن عليك"، قلت: وإن قتلن؟ قال: "وإن قتلن"، قلت: إنا نرمي بالمعراض؟ قال: "كل ما خرق، وما أصاب بعرضه، فلا تأكل".

                                                                            هذا حديث متفق على صحته، أخرجه مسلم، عن إسحاق الحنظلي، [ ص: 202 ] عن جرير، عن منصور.

                                                                            والمعراض : نصل عريض فيه رزانة وثقل ، ويقال : المعراض سهم بلا ريش ولا نصل .

                                                                            وفي الحديث من الفقه أنه إذا رمى سهما إلى صيد ، فجرحه بحده ، فقتله كان حلالا ، وإن وقذه بثقله ، أو خزقه بثقله ، فلا يحل ، لأنها موقوذة والموقوذة محرمة بنص القرآن .

                                                                            وروى الشعبي ، عن عدي ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " إذا أصبت بحده ، فكل ، وإذا أصاب بعرضه فقتل ، فإنه وقيذ فلا تأكل " ، وأراد بالوقيذ : ما ذكر سبحانه وتعالى في المحرمات : ( والموقوذة ) ، وهي التي تقتل بعصا أو حجارة لا حد لها ، وكذلك المقتول بالبندقة حرام .

                                                                            فأما صيد الكلب وغيره من الجوارح ، فما جرحته الجارحة بسنها ، أو ظفرها ، أو مخلبها فقتلته ، فحلال ، وإن مات بثقلها ولم تجرحه ، فعلى قولين : أحدهما هو اختيار المزني : أنه حرام كما لو قتله بثقل السهم ، والثاني : حلال ، لأنه يشق تعليم الجارحة الجرح ، فسقط اعتباره .

                                                                            ولو رمى صيدا في الهواء فجرحه ، فسقط على الأرض فمات ، كان حلالا وإن لم يدر أنه مات في الهواء ، أو بعدما صار إلى الأرض ، لأن الوقوع على الأرض من ضرورته ، فإن وقع في ماء ، أو على جبل أو شجر ، ثم تردى منه ، فلا يحل ، لأنه من المتردية ، إلا أن يكون السهم قد أصاب مذبحه ، فيحل ، سواء وقع في ماء ، أو تردى من جبل .

                                                                            ولو رمى إلى صيد ، فأبان رأسه ، أو قده بنصفين ، فهو حلال ، وإن [ ص: 203 ] كان أحد النصفين أصغر من الآخر ، وذهب أصحاب الرأي إلى أنه إن قده بنصفين سواء ، فالكل حلال ، وإن كان أحد النصفين أصغر ، فإن كان الرأس مع الأصغر ، فالكل حلال ، وإن كان مع الأكبر ، حل الأكبر دون الأصغر ، وعند الشافعي يحل الكل بكل حال ، فأما إذا رمى إليه فأبان عضوا منه ، أو قطع الكلب المعلم منه قطعة منه ، ومات ، فالأصل حلال ، وأما العضو المبان ، فذهب جماعة إلى أنه حرام ، يروى ذلك عن ابن مسعود ، وبه قال الحسن ، وإبراهيم ، وإليه ذهب أصحاب الرأي ، وقال الشافعي : إن خرج الروح من الكل معا حل الكل ، وإن بقي الأصل حيا حتى ذبحه بفعل آخر ، فالعضو المبان حرام ، لما روي عن أبي واقد الليثي ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما قطع من البهيمة وهي حية ، فهي ميتة " ، فأما إذا بقي الأصل حيا بعد إبانة العضو منه زمانا ، ثم مات قبل أن يقدر على ذبحه من الرمية الأولى ، فالأصل حلال ، واختلف أصحاب الشافعي في العضو المبان ، فأحله بعضهم ، وحرمه الآخرون . [ ص: 204 ] .

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية