الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            باب المبارزة.

                                                                            2707 - أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أنا أحمد بن عبد الله [ ص: 66 ] النعيمي، أنا محمد بن يوسف، نا محمد بن إسماعيل، نا يعقوب بن إبراهيم، نا هشيم، أنا أبو هاشم، عن أبي مجلز، عن قيس بن عبادة، قال: سمعت أبا ذر " يقسم قسما إن هذه الآية: ( هذان خصمان اختصموا في ربهم ) ، نزلت في الذين برزوا يوم بدر: حمزة، وعلي، وعبيدة بن الحارث، وعتبة، وشيبة ابني ربيعة، والوليد بن عتبة ".

                                                                            هذا حديث متفق على صحته، أخرجه مسلم، عن عمرو بن زرارة، عن هشيم.

                                                                            وروي عن أبي إسحاق ، عن حارثة بن مضرب ، عن علي ، قال : تقدم عتبة بن ربيعة ، ومعه ابنه وأخوه ، فنادى : من يبارز؟ فانتدب له شباب من الأنصار ، فقال : من أنتم؟ ، فأخبروه ، فقال : لا حاجة لنا فيكم ، إنما أردنا بني عمنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قم يا حمزة ، قم يا علي ، قم يا عبيدة بن الحارث " ، فأقبل حمزة إلى عتبة ، وأقبلت إلى [ ص: 67 ] شيبة ، واختلف بين عبيدة والوليد ضربتان ، فأثخن كل واحد منهما صاحبه ، ثم ملنا على الوليد ، فقتلناه واحتملنا عبيدة .

                                                                            قال الإمام : فيه إباحة المبارزة في جهاد الكفار ، ولم يختلفوا في جوازها إذا أذن الإمام ، واختلفوا فيها إذا لم يكن عن إذن من الإمام ، فجوزها جماعة ، لأن الأنصاريين كانوا قد خرجوا قبل حمزة ، وعلي ، وعبيدة ، من غير إذن ، وإليه ذهب مالك ، والشافعي ، وكره ذلك جماعة إلا بإذن الإمام ، وإليه ذهب سفيان ، وأحمد ، وإسحاق ، وحكي عن الأوزاعي كل واحد من القولين .

                                                                            وفيه دليل على أن معونة المبارز جائزة إذا ضعف ، أو عجز عن قرنه ، وبه قال الشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وقال الأوزاعي : لا يعينونه ، لأن المبارزة إنما تكون هكذا ، فأما إذا بارز مسلم مشركا ، وشرطا أن لا يقاتله غيره ، لم يكن لإحدى الطائفتين أن يعين مبارزه ، ما داما يتقاتلان ، فإذا ولى الكافر منهزما ، أو بعدما قتل المسلم ، أو أثخنه ، فيجوز قتله ، لأن القتال قد انقضى بينهما ، إلا أن يكون شرط عليه أنه آمن حتى يرجع إلى الصف ، فليس لهم أن يتعرضوا له إلا أن يثخن المسلم ، ويريد قتله ، فعليهم استنقاذ المسلم من يده من غير أن يقتلوا المشرك ، فإن أعان العدو مبارزهم ، كان حقا على المسلمين إعانة صاحبهم ، ثم إن استعان المشرك بهم ، فقد نقض أمانه ، فللمسلمين قتل المبارز والأعوان جميعا ، وإن لم يستعن بهم ، فيقتلون الأعوان دون المبارز ، لأنه لم ينقض أمانه بالاستعانة . [ ص: 68 ] .

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية