الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            2711 - أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أنا محمد بن يوسف، نا محمد بن إسماعيل، نا محمد بن بشار، نا غندر، نا شعبة، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "عجب الله من قوم يدخلون الجنة في السلاسل".

                                                                            هذا حديث صحيح ، وقيل في قوله : " عجب الله " ، معناه : [ ص: 77 ] الرضى ، وكذلك الفرح والاستبشار الوارد في صفات الله عز وجل معناه : الرضى ، وقرئ (بل عجبت ويسخرون ) ، بضم التاء .

                                                                            قيل : " قل فيه " مضمر ، وقيل : معناه : جازيتهم على عجبهم ، وذلك أن الله سبحانه وتعالى أخبر عنهم في غير موضع بالعجب من الحق ، فقال : ( وعجبوا أن جاءهم منذر منهم ) ، وقال : ( إن هذا لشيء عجاب ) ، وهذا كقوله سبحانه وتعالى : ( الله يستهزئ بهم ) ، أي : يجازيهم على استهزائهم ، وقال : ( فيسخرون منهم سخر الله منهم ) ، أي جازاهم على سخريتهم ، وقد يكون العجب بمعنى وقوع ذلك العمل عند الله عظيما ، فيكون معنى قوله : ( بل عجبت ) ، أي : عظم عندي فعلهم قال الإمام : فيه دليل على جواز الاستيثاق من الأسير الكافر بالرباط ، والغل والقيد إذا خيف انفلاته ، ولم يؤمن شره ، ومن وقع في الأسر من نساء أهل الحرب وذراريهم ، صاروا أرقاء ، وكانوا من جملة الغنائم ، فأما الرجال العاقلون البالغون منهم إذا وقعوا في الأسر فالإمام فيهم بالخيار ، إن شاء قتلهم من غير أن يمثل بهم ، وإن شاء استرقهم ، وإن شاء من عليهم ، وإن شاء فاداهم بالمال ، أو بأسرى المسلمين ، وإن وقف به الرأي فيهم ، حبسهم إلى أن يرى فيهم رأيه ، [ ص: 78 ] قال الله سبحانه وتعالى : ( واقتلوهم حيث ثقفتموهم ) ، أي وجدتموهم ، وقال الله تعالى : ( فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم ) ، أي افعل بهم من العقوبة تخيف من وراءهم من أعدائك فتشردهم وتفرقهم .

                                                                            ومن أشكل بلوغه منهم ، كشف عن عورته ، فإن أنبت ، جعل في البالغين ، ومن لم ينبت ففي الذرية ، وروي عن عبد الملك بن عمير ، عن عطية القرظي ، قال : " عرضنا على النبي صلى الله عليه وسلم يوم قريظة ، فكان من أنبت قتل ، ومن لم ينبت خلي سبيله ، فكنت ممن لم ينبت ، فخلي سبيلي " .

                                                                            قال الشافعي : " أسر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بدر ، فقتل عقبة بن أبي معيط ، والنضر بن الحارث ، ومن على أبي عزة الجمحي على أن لا يقاتله " ، فأخفره وقاتله يوم أحد ، فدعا أن لا يفلت ، فما أسر غيره ، " ثم أسر ثمامة بن أثال الحنفي فمن عليه " ، فأسلم وحسن إسلامه ، " وفادى رجلا برجلين " .

                                                                            وروي عن ابن مسعود ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، " لما أراد قتل عقبة بن أبي معيط ، فقال : من للصبية؟ ، قال : النار " . [ ص: 79 ] .

                                                                            وذهب إلى ما ذكرنا من التخيير بين القتل ، والمن ، والفداء ، والاسترقاق ، أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وأهل العلم بعدهم ، وهو قول الشافعي ، والثوري ، وأحمد ، وإسحاق ، وذهب قوم إلى أنه لا يجوز الفداء والمن ، وهو قول الأوزاعي ، وأصحاب الرأي ، حكي عن الأوزاعي ، قال : بلغني أن هذه الآية منسوخة قوله : ( فإما منا بعد وإما فداء ) ، نسخها قوله سبحانه وتعالى : ( واقتلوهم حيث ثقفتموهم ) .

                                                                            وذهب قوم إلى أن المن كان خاصا للنبي صلى الله عليه وسلم دون غيره ، وهذا لا يصح ، لأن قوله عز وجل : ( فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق ) ، عام وخطاب لجميع الأمة لا تخصيص فيه ، وحكي عن مالك أنه جوز المفاداة بالرجال ، ولم يجوز بالمال .

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية