الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            3011 - أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، نا أحمد بن أبي رجاء، نا يحيى، عن أبي حيان التيمي، عن الشعبي، عن ابن عمر، قال: خطب عمر رضي الله عنه على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: " إنه قد نزل تحريم الخمر، وهي من خمسة أشياء: العنب، والتمر، والحنطة، والشعير، والعسل، والخمر ما خامر العقل، وثلاث وددت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفارقنا حتى يعهد إلينا عهدا: الجد، والكلالة، وأبواب من أبواب الربا ". [ ص: 352 ] .

                                                                            هذا حديث صحيح.

                                                                            وقوله : " الخمر ما خامر العقل " ، أي : خالطه ، وخمر العقل ، أي : ستره ، وهو المسكر من الشراب ، والخمر بفتح الميم : ما سترك من شجر ، أو بناء ، أو غيره ، والبتع : نبيذ العسل ، والمزر ، نبيذ الشعير ، ويقال : هو من الذرة ، والجعة : نبيذ الشعير ، والسكر : نبيذ التمر الذي لم تمسه النار .

                                                                            قال الإمام : في هذه الأحاديث دليل واضح على بطلان قول من زعم أن الخمر إنما هي عصير العنب ، أو الرطب النيئ الشديد منه ، وعلى فساد قول من زعم ، أن لا خمر إلا من العنب ، أو الزبيب ، أو الرطب ، أو التمر ، بل كل مسكر خمر ، وأن الخمر ما يخامر العقل .

                                                                            وقد روي عن الشعبي ، عن النعمان بن بشير ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن من العنب خمرا ، وإن من التمر خمرا ، وإن من العسل خمرا ، وإن من البر خمرا ، وإن من الشعير خمرا " .

                                                                            فهذا تصريح بأن الخمر قد تكون من غير العنب والتمر ، وتخصيص هذه الأشياء بالذكر ليس لما أن الخمر لا تكون [ ص: 353 ] إلا من هذه الخمسة ، بل كل ما كان في معناها من ذرة ، وسلت ، وعصارة شجر ، فحكمه حكمها ، وتخصيصها بالذكر ، لكونها معهودة في ذلك الزمان .

                                                                            وقد روي عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الخمر من هاتين الشجرتين : النخلة ، والعنبة " ، وهذا لا يخالف حديث النعمان بن بشير ، وإنما معناه : أن معظم الخمر يكون منهما ، وهو الأغلب على عادات الناس فيما يتخذونه من الخمور .

                                                                            وفي قوله : " ما أسكر كثيره ، فقليله حرام " ، دليل على أن التحريم في جنس المسكر لا يتوقف على السكر ، بل الشربة الأولى منه في التحريم ولزوم الحد في حكم الشربة الآخرة التي يحصل بها السكر ، لأن جميع أجزائه في المعاونة على السكر سواء ، كالزعفران لا يصبغ القليل منه حتى يمد بجزء بعد جزء ، فإذا كثر وظهر لونه ، كان الصبغ مضافا إلى جميع أجزائه لا إلى آخر جزء منه ، وهذا قول عامة أهل الحديث ، وقالوا : لو حلف ألا يشرب الخمر ، فشرب شرابا مسكرا ، يحنث .

                                                                            قال السائب بن يزيد : إن عمر ، قال : إني وجدت من فلان ريح شراب ، وزعم أنه شرب الطلاء ، وأنا سائل عما شرب ، فإن كان يسكر جلدته ، فجلده الحد تاما .

                                                                            وقال علي : لا أوتي بأحد شرب خمرا ولا نبيذا مسكرا إلا جلدته الحد .

                                                                            وقال ابن عمر : كل مسكر خمر ، وهذا قول مالك ، والشافعي . [ ص: 354 ] .

                                                                            وقال عبد الله بن مسعود : السكر خمر ، ومثله عن إبراهيم ، والشعبي ، وأبي رزين ، قالوا : السكر خمر .

                                                                            وقال ابن المبارك في رجل صلى ، وفي ثوبه من النبيذ المسكر بقدر الدرهم ، أو أكثر : إنه يعيد الصلاة .

                                                                            وقال معن : سألت مالكا عن الفقاع ، فقال : إذا لم يسكر ، فلا بأس به .

                                                                            وسئل طلحة بن مصرف عن النبيذ ، فقال : هي الخمر ، هي الخمر .

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية