الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            باب تحريق أموال أهل الشرك.

                                                                            2700 - أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي، ومحمد بن أحمد العارف، قالا: أنا أبو بكر الحيري، نا أبو العباس الأصم.

                                                                            ح وأخبرنا [ ص: 54 ] عبد الوهاب بن محمد الكسائي، أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال، نا أبو العباس الأصم، أنا الربيع، أنا الشافعي، أنا أنس بن عياض، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم "قطع نخل بني النضير، وحرق، وهي البويرة".

                                                                            هذا حديث متفق على صحته ، أخرجاه عن قتيبة ، عن ليث ، عن نافع ، عن ابن عمر ، وزادا : فأنزل الله سبحانه وتعالى : ( ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها ) ، الآية .

                                                                            اللينة من النخيل : ما خلا البرني والعجوة ، تسمية أهل المدينة الألوان قال الإمام : اختلف أهل العلم في قطع أشجار أهل الحرب ، وتحريق أموالهم ، وتخريب دورهم ، وفي تأويل ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذهب قوم إلى جوازه نكاية لهم ، وإليه ذهب مالك ، والشافعي ، وإسحاق ، وأصحاب الرأي ، وكرهه أحمد إلا من حاجة .

                                                                            وذهب قوم إلى أنه لا يجوز ، وهو قول الأوزاعي ، واحتج بأن أبا بكر نهى عن قطع الأشجار ، وتخريب العامر ، وتأول من كرهه الحديث على أن أشجار بني النضير كانت في مقاتل القوم ، فأمر بقطعها ليتسع مكان القتال ، وتأول الشافعي نهي أبي بكر عن قطع الأشجار [ ص: 55 ] على أنه كان سمع من النبي صلى الله عليه وسلم أنه وعد لهم فتح الشام ، فأراد إبقاءها لأهل الإسلام ، فأما تحريق الكافر بعدما وقع في الأسر ، وتحريق المرتد ، فذهب عامتهم إلى أنه لا يجوز ، إنما يقتله بجز الرقبة ، لما روي عن حمزة الأسلمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره على سرية ، وقال : " إن وجدتم فلانا فأحرقوه بالنار " ، فوليت فناداني ، فرجعت إليه ، فقال : " إن وجدتم فلانا ، فاقتلوه ، ولا تحرقوه ، فإنه لا يعذب بالنار إلا رب النار " .

                                                                            ولو قاتلونا على خيلهم ، فوجدنا السبيل إلى قتلهم بعقر دوابهم ، فعلنا ، قد عقر حنظلة بن الراهب بأبي سفيان بن حرب يوم أحد ، فاكتسعت به فرسه ، فسقط عنها ، فجلس على صدره ليذبحه ، فرآه ابن شعوب ، فرجع إليه فقتله ، واستنقذ أبا سفيان من تحته .

                                                                            قوله : " عقر فرسه " ، أي : عرقبها . [ ص: 56 ] .

                                                                            ولو أدركونا وفي أيدينا أموال لنا أو لهم استولينا عليها ، جاز تحريقها وإتلافها إن لم يكن حيوانا ، وإن كان حيوانا لنا أو لهم ، أو وقف الفرس على صاحبه ، فاختلفوا في عقرها ، فرخص فيها قوم ، لئلا يظفر به العدو ، وروي أن جعفر بن أبي طالب اقتحم عن فرس له شقراء في غزاة مؤتة ، فعقرها ، ثم قاتل القوم حتى قتل ، وإليه ذهب مالك ، وأصحاب الرأي ، حتى قال أبو حنيفة : لو ظفر المسلمون بدواب ومواش ، فعجزوا عن حملها ، ذبحوها ، وحرقوا لحومها .

                                                                            وذهب جماعة إلى أنه لا يحل عقرها " لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل الحيوان إلا لمأكلة " ، وإليه ذهب الأوزاعي ، والشافعي ، وأحمد ، قال الشافعي : ولو جاز لنا ذلك لغيظهم ، طلبنا غيظهم بقتل أطفالهم .

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية