الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            باب سقوط الجزية عن الذمي إذا أسلم.

                                                                            2753 - أخبرنا أبو عثمان سعيد بن إسماعيل الضبي، أنا أبو محمد عبد الجبار بن محمد الجراحي، نا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي، نا أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي، نا يحيى بن أكثم، نا جرير، عن قابوس بن أبي ظبيان، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يصلح [ ص: 176 ] قبلتان في أرض واحدة، وليس على المسلم جزية" قال أبو عيسى: حدثنا أبو كريب، نا جرير، عن قابوس، بهذا الإسناد نحوه.

                                                                            قوله " ليس على المسلم جزية " ، يتأول على وجهين ، أحدهما : معنى الجزية هو الخراج ، وذلك أن الإمام إذا فتح بلدا صلحا على أن تكون الأراضي لأهلها ، وضرب عليها خراجا معلوما ، فهو جزية ، فإذا أسلم أهلها ، سقط عنهم ذلك ، كما تسقط جزية رؤوسهم ، ويجوز لهم بيع تلك الأراضي ، أما إذا صالحهم على أن تكون الأراضي لأهل الإسلام ، وهم يسكنونها بخراج معلوم ، وضع عليهم ، فذلك أجرة الأرض لا تسقط بالإسلام ، ولا يجوز لهم بيع شيء من تلك الأراضي ، لأنها ملك للمسلمين ، وكذلك إذا أراد فتحها عنوة ، وصارت أراضيها للمسلمين ، فأسكنها المسلمون جماعة من أهل الذمة بخراج معلوم يؤدونه ، فذلك لا يسقط بالإسلام .

                                                                            والتأول الثاني : وهو أن الذمي إذا تم عليه الحول ، فأسلم قبل أداء جزية ذلك الحول ، سقط عنه تلك الجزية ، واختلف أهل العلم فيه ، فذهب أكثرهم إلى سقوطها ، روي ذلك عن عمر ، وإليه ذهب أبو [ ص: 177 ] حنيفة ، وأبو عبيد ، حتى قال أبو حنيفة : لو مات الذمي بعد الحول لا تؤخذ من تركته ، وعند الشافعي : لا تسقط بالإسلام ولا بالموت ، لأنه دين حل عليه أجله كسائر الديون ، فأما إذا أسلم في خلال الحول ، أو مات ، فاختلف قوله في أنه هل يطالب بحصة ما مضى من الحول ؟ أصح قوليه أنه لا يطالب ، والثاني : يطالب كأجرة الدار ، وروي عن الزبير بن عدي ، قال : أسلم دهقان على عهد علي رضي الله عنه ، فقال له : إن أقمت في أرضك ، رفعنا الجزية عن رأسك ، وأخذناها من أرضك ، وإن تحولت عنها ، فنحن أحق بها .

                                                                            قال الإمام : ووجهه عندي ، والله أعلم ، أن تكون الأرض فيئا للمسلمين يسكنها الذمي بالخراج والجزية ، فتسقط عنه بالإسلام جزية رأسه دون خراج أرضه ، لأنه بمنزلة الأجرة تلزمه ما دام يسكنها ، لأن ملكها لغيره .

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية