الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            2818 - أخبرنا محمد بن الحسن الميربندكشائي ، أنا أبو سهل السجزي ، أخبرنا أبو سليمان الخطابي ، أنا أبو بكر بن داسة ، نا أبو داود السجستاني ، نا مسدد ، نا سفيان ، عن عبيد الله بن أبي زيد ، عن أبيه ، عن سباع بن ثابت ، عن أم كرز ، قالت : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " أقروا الطير على مكناتها " ، قالت : وسمعته ، يقول : " عن الغلام شاتان ، وعن الجارية شاة ، ولا يضركم ذكرانا كن ، أو إناثا " . [ ص: 266 ] .

                                                                            قال أبو عيسى : هذا حديث صحيح .

                                                                            قوله : " أقروا الطير على مكناتها " ، قال أبو زياد الكلابي : لا يعرف للطير مكنات ، وإنما هي الوكنات ، وهي موضع عش الطائر ، وقال أبو عبيد : المكنات بيض الضباب ، واحدها : مكنة ، فجعل للطير على وجه الاستعارة ، وقيل على مكناتها ، أي : أمكنتها ، وقال شمر : هي جمع المكنة وهي التمكن ، وهذا مثل التبعة للتتبع ، والطلبة للتطلب .

                                                                            ثم اختلفوا في المراد من إقرار الطير على مكناتها ، فقال بعضهم : معناه : كراهية صيد الطير بالليل ، وقيل : فيه النهي عن زجر الطير ، معناه : أقروها على مواضعها التي جعلها الله بها من أنها لا تضر ولا تنفع .

                                                                            ويحكى عن الشافعي رضي الله عنه أنه حمله على النهي عن زجر الطير ، وذلك أن العرب كانت تولع بالعيافة ، وزجر الطير ، فكان الواحد منهم إذا خرج من بيته لسفر أو حاجة ، نظر هل يرى طائرا يطير ، فإن لم ير ، هيج طائرا عن مكانه ، فإن طار من جانب يساره إلى يمينه ، سماه سائحا وتفاءل به ، ومضى لأمره ، وإن طار من جانب يمينه إلى يساره ، سماه بارحا وتطير به ، ولم يمض لأمره ، لأنه في هذه الصورة يكون يسار الطائر إليه ، " فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يقروا الطير على أمكنتها ، ولا يطيروها ولا يزجروها " . [ ص: 267 ] .

                                                                            وقوله في الحديث : " ولا يضركم ذكرانا كن أو إناثا " ، أراد شاة العقيقة يجوز ذكرا كان أو أنثى ، ويختص بما يجوز أضحية ، وروي عن أم كرز ، قالت : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ، يقول : " عن الغلام شاتان مكافئتان ، وعن الجارية شاة " ، قال أحمد بن حنبل : مكافئتان مستويتان ، أو مقاربتان ، يريد ألا تكون إحداهما مما يجوز أضحية ، والأخرى دونها في السن .

                                                                            وقال مالك : ليست العقيقة بواجبة ، ولكن يستحب العمل بها ، فمن عق عن ولده ، فإنها بمنزلة النسك والضحايا ، لا يجوز فيها عرجاء ، ولا مكسورة ، ولا عجفاء ، ولا مريضة ، ولا عوراء ، ولا يباع من لحمها شيء ، ولا من جلدها ، ولا يكسر عظامها ، ويأكل أهلها من لحمها ، ويتصدقون ، ولا يمس الصبي بشيء من دمها .

                                                                            وقال عطاء : العقيقة تقطع أعضاؤها ، وتطبخ بماء وملح .

                                                                            وقال الحسن ، وابن سيرين : الأضحية تجزئ من العقيقة ، وسئل عن العقيقة ، فقال : هي مثل الأضحية ، كل منها وأطعم .

                                                                            وقال محمد بن إبراهيم بن الحارث [ ص: 268 ] التيمي : سمعت أبي يستحب العقيقة ولو بعصفور .

                                                                            وعن ربيعة أنه كان يستحب أن يعق عن الصبي ولو بعصفور ، أو دجاجة ، وروي في العقيقة الإبل ، والبقر ، والغنم .

                                                                            وقد روي في وقت ذبح العقيقة عن الحسن ، عن سمرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الغلام مرتهن بعقيقته تذبح عنه يوم السابع ، ويسمى ، ويحلق رأسه " ، وقد تكلم الناس في معنى قوله : " مرتهن بعقيقته " ، أجودها ما قال أحمد بن حنبل : أن معناه أنه إن مات طفلا ولم يعق عنه لم يشفع في والديه ، ويروى عن قتادة أيضا أنه يحرم شفاعتهم .

                                                                            وقيل : " مرتهن بعقيقته " ، أي : بأذى شعره ، وهو معنى قوله : " أميطوا عنه الأذى " .

                                                                            واستحب أهل العلم ذبح العقيقة يوم السابع من ولادة المولود ، فإن لم يتهيأ ، فيوم الرابع عشر ، فإن لم يتهيأ فيوم إحدى وعشرين ، ثم بعد الذبح يحلق رأسه .

                                                                            ويروى عن عائشة : " شاتان عن الغلام ، وشاة عن الجارية تطبخ جدولا لا يكسر لها عظم ، فتأكل وتطعم ، وتتصدق ويكون ذلك في اليوم السابع ، فإن لم . يكن ، ففي أربع عشرة ، فإن لم تفعل ، ففي إحدى وعشرين " .

                                                                            قوله : " جدولا " ، أي : أعضاء ، والجدل : العضو بفتح الجيم . [ ص: 269 ] .

                                                                            واستحب غير واحد من أهل العلم أن لا يسمى الصبي قبل السابعة ، روي ذلك عن الحسن ، وبه قال مالك ، ويروى في الحديث : " ويدمى " ، مكان قوله : " ويسمى " ، وروي عن الحسن ، أنه قال : يطلى رأس المولود بدم العقيقة ، وكان قتادة يصف الدم ، فيقول : إذا ذبحت العقيقة تؤخذ صوفة منها ، فيستقبل بها أوداج الذبيحة ، ثم توضع على يافوخ الصبي حتى إذا سال شبه الخيط ، غسل رأسه ثم حلق بعد .

                                                                            وكره أكثر أهل العلم لطخ رأسه بدم العقيقة ، وقالوا : كان ذلك من عمل الجاهلية ، وضعفوا رواية من رواه " ويدمى " ، وقالوا : إنما هي : " ويسمى " ، ويروى لطخ الرأس بالخلوق والزعفران مكان الدم .

                                                                            قال الإمام : وصح عن ثابت ، عن أنس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ولد لي الليلة غلام ، فسميته باسم أبي إبراهيم " ، ففيه تعجيل تسمية المولود حالة ما يولد . [ ص: 270 ] .

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية