الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            2754 - أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أنا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي شريح، أنا أبو القاسم البغوي، نا علي بن الجعد، أنا زهير بن معاوية، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "منعت العراق درهمها وقفيزها، ومنعت الشام مديها، ودينارها، وعدتم من حيث بدأتم"، قالها ثلاثا، شهد على ذلك لحم أبي هريرة، ودمه.

                                                                            هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم، عن عبيد بن يعيش، عن يحيى [ ص: 178 ] بن آدم، عن زهير، وزاد: "ومنعت مصر إردبها ودينارها".

                                                                            والقفيز لأهل العراق : ثمانية مكاكيك ، والمكوك صاع ونصف ، والمدي : مكيال لأهل الشام يسع خمسة وأربعين رطلا ، والإردب لأهل مصر : أربع وستون منا ، والقنقل : اثنان وثلاثون منا .

                                                                            وللحديث تأويلان : أحدهما : سقوط ما وظف عليهم باسم الجزية بإسلامهم ، فصاروا بالإسلام مانعين لتلك الوظيفة ، وذلك معنى قوله صلى الله عليه وسلم : " وعدتم من حيث بدأتم " ، أي : كان في سابق علم الله سبحانه وتعالى ، وتقديره : أنهم سيسلمون ، فعادوا من حيث بدؤوا .

                                                                            والتأويل الثاني : هو أنهم يرجعون عن الطاعة ، فيمنعون ما وظف عليهم ، وكان هذا القول من النبي صلى الله عليه وسلم دليلا على نبوته حيث أخبر عن أمر أنه واقع قبل وقوعه ، فخرج الأمر في ذلك على ما قاله .

                                                                            وفيه بيان على أن ما فعل عمر رضي الله عنه بأهل الأمصار فيما وظف عليهم كان حقا ، وقد روي عنه اختلاف في مقدار ما وضعه على أرض السواد .

                                                                            وفيه مستدل لمن ذهب إلى أن وجوب الخراج لا ينفي وجوب العشر ، لأنه جمع بين القفزان والنقد ، والعشر يؤخذ بالقفزان ، والخراج من النقد .

                                                                            وروي عن حرب بن عبيد الله ، عن جده أبي أمه ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنما العشور على اليهود والنصارى ، وليس [ ص: 179 ] على المسلمين عشور " .

                                                                            وقوله : " ليس على المسلمين عشور " ، أراد به عشور التجارات دون عشور الصدقات ، والذي يلزم اليهود والنصارى من العشور هو ما صولحوا عليه وقت عقد الذمة ، فإن لم يصالحوا عليه ، فلا يلزمهم أكثر من الجزية المضروبة عليهم .

                                                                            وإذا دخل أهل الحرب بلاد الإسلام تجارا ، فإن دخلوا بغير أمان ولا رسالة غنموا ، فإن دخلوا بأمان ، وشرط أن يؤخذ منهم عشر ، أو أقل ، أو أكثر ، أخذ المشروط ، وإذا طافوا في بلاد الإسلام فلا يؤخذ منهم في السنة إلا مرة واحدة ، وكتب لهم براءة إلى مثله من الحول ، وإن لم يكن شرط عليهم ، لم يؤخذ منهم شيء ، سواء كانوا يعشرون المسلمين إذا دخلوا بلادهم ، أو لا يتعرضون لهم ، وقال مالك : إذا دخلوا دارنا تجارا ، أو أهل الذمة إذا طافوا في بلاد الإسلام تاجرين يؤخذ منهم العشر ، وإن اختلفوا في العام الواحد مرارا إلى بلاد الإسلام ، فعليهم فيما اختلفوا العشر ، هذا الذي أدركت عليه أهل الرضى من أهل العلم ببلدنا ، وقال أصحاب الرأي : إن أخذوا من العشور في بلادهم إذا اختلفنا إليهم في التجارات ، أخذنا منهم ، وإلا ، فلا .

                                                                            ويستحب إذا شرط أن يأخذ ما أخذ عمر رضي الله عنه من المسلمين ربع العشر ، ومن أهل الذمة نصف العشر ، ومن أهل الحرب العشر ، وروي عن زياد بن حدير أن عمر بعثه مصدقا ، فأمره أن يأخذ من [ ص: 180 ] نصارى بني تغلب العشر ، ومن نصارى أهل الكتاب نصف العشر ، وروي عن صفوان بن سليم ، عن عدة من أبناء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن آبائهم ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : " ألا من ظلم معاهدا ، أو انتقصه ، أو كلفه فوق طاقته ، أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس ، فأنا حجيجه يوم القيامة " .

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية