الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            باب الفرار من الزحف.

                                                                            قال الله سبحانه: ( إذا لقيتم الذين كفروا زحفا ) ، أي: زاحفين، وهو أن يزحفوا إليهم قليلا قليلا، ( ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال ) ، وقال جل ذكره: ( إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين ) ، قوله: ( أو متحيزا إلى فئة ) ، أي: يصير إلى حيز فئة من المسلمين يستنجد بهم ، يقال : تحيز وتحوز وانحاز بمعنى واحد ، والحيز : الناحية ، يقال : فلان مانع لحوزته ، أي : لما في حيزه ، والفئة : الفرقة ، وجمعها فئات وفئون .

                                                                            2708 - أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي، ومحمد بن أحمد العارف، قالا: نا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري، نا أبو العباس الأصم.

                                                                            ح وأخبرنا عبد الوهاب بن محمد الكسائي، أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال، نا أبو العباس الأصم، أنا الربيع، أنا الشافعي، أنا ابن عيينة، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن ابن عمر، قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية، فلقوا العدو، فحاص الناس حيصة، فأتينا المدينة، [ ص: 69 ] وقلنا: يا رسول الله، نحن الفرارون، قال: "بل أنتم العكارون، وأنا فئتكم".

                                                                            قال أبو عيسى: هذا حديث حسن لا نعرفه إلا من حديث يزيد بن أبي زياد، وقال زهير عن يزيد، قال: "لا بل أنتم العكارون" قال: فدنونا فقبلنا يده، فقال: "أنا فئة المسلمين".

                                                                            وقوله : " فحاص " ، أي : حاد عن طريقه ، وعدل عن وجهه إلى جهة أخرى ، وقوله : " أنتم العكارون " ، يريد العائدون إلى القتال والكرارون ، يقال : عكرت على الشيء : إذا عطفت عليه وانصرفت إليه .

                                                                            وقوله : " وأنا فئتكم " ، يمهد بذلك عذرهم ، وذلك أن الله سبحانه وتعالى حرم التولي عن الزحف إلا متحرفا لقتال ، أو متحيزا إلى فئة ، وكان في ابتداء الإسلام يجب على المسلمين مصابرة العدو إذا كان بمقابلة كل مسلم عشرة من المشركين ، كما قال جل ذكره : ( إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين ) ، ثم خفف الله عنهم ، فأوجب المصابرة إذا كان بإزاء كل مسلم مشركان فأقل ، فقال جل جلاله وعظم كبرياؤه : ( الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين ) .

                                                                            قال ابن عباس : [ ص: 70 ] فلما خفف الله عنهم من العدد ، نقص من الصبر بقدر ما خفف عنهم .

                                                                            وقال ابن عباس : من فر من ثلاثة ، فلم يفر ، ومن فر من اثنين ، فقد فر : يريد إذا فر مسلم من كافرين غير متحرف لقتال ، أو متحيز إلى فئة ، يستحق الوعيد الذي أوعده الله سبحانه وتعالى في قوله عز وجل : ( ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ) ، وإن كانوا أكثر من اثنين بإزاء كل مسلم ، فلا عتب على من فر ، ومن فر من اثنين ، فليس له أن يصلي بالإيماء في الفرار ، لأنه عاص كقاطع الطريق ، وهو من الكبائر .

                                                                            قال الحسن : ليس الفرار من الزحف من الكبائر ، إنما كان ذلك يوم بدر .

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية