الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            2714 - أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الكسائي، أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال، نا أبو العباس الأصم.

                                                                            ح وأخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي، ومحمد بن أحمد العارف، قالا: أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري، نا أبو العباس الأصم، أنا الربيع، أنا الشافعي، أنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي المهلب، عن عمران بن الحصين، قال: أسر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من بني عقيل، فأوثقوه، فطرحوه في الحرة، فمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن معه، أو قال: أتى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمار، وتحته قطيفة، فناداه: يا محمد، يا محمد، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "ما شأنك"؟ فقال: فيم أخذت، وفيم أخذت سابقة الحاج؟ قال: "أخذت بجريرة [ ص: 84 ] حلفائكم ثقيف"، وكانت ثقيف قد أسرت رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فتركه، ومضى، فناداه: يا محمد، يا محمد، فرحمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرجع إليه، فقال: "ما شأنك"؟ قال: إني مسلم، فقال: "لو قلتها، وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح"، قال: فتركه، ومضى، فناداه: يا محمد، يا محمد، فرجع إليه، فقال: إني جائع، فأطعمني، قال: وأحسبه قال: وإني عطشان، فاسقني، قال: "هذه حاجتك"، "ففداه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرجلين اللذين أسرتهما ثقيف، وأخذ ناقته تلك"، قال عمران: سبيت امرأة من الأنصار، وكانت الناقة قد أصيبت قبلها، فكانت تكون فيهم، وكانوا يجيئون بالنعم إليهم، فانفلتت ذات ليلة من الوثاق، فأتت الإبل، فجعلت كلما أتت بعيرا منها، فمسته رغا، فتتركه حتى أتت تلك الناقة، فمستها، فلم ترغ، وهي ناقة هدرة، فقعدت في عجزها، ثم صاحت بها، فانطلقت، فطلبت من ليلتها، فلم يقدر عليها، فجعلت لله عليها إن الله أنجاها عليها لتنحرنها، فلما قدمت المدينة، عرفوا الناقة، وقالوا: ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: إنها قد جعلت لله عليها لتنحرنها، فقالوا: [ ص: 85 ] والله لا تنحريها حتى نؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتوه، فأخبروه أن فلانة قد جاءت على ناقتك، وإنها قد جعلت لله عليها إن أنجاها الله عليها لتنحرنها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " سبحان الله! بئس ما جزتها إن أنجاها الله عليها لتنحرنها، لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا وفاء لنذر فيما لا يملك العبد، أو قال: ابن آدم ".

                                                                            هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم، عن زهير بن حرب، وعلي بن حجر، عن إسماعيل بن إبراهيم، عن أيوب، وأخرجه عن أبي الربيع العتكي، عن حماد بن زيد، عن أيوب بهذا الإسناد، وقال: كانت العضباء لرجل من بني عقيل، وكانت من سوابق الحاج، وقال: كان ثقيف حليفا لبني عقيل، فأسرت ثقيف رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأسر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من بني عقيل، وأصابوا معه العضباء، فأتى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الوثاق، فقال: يا محمد. . . . . وساق الحديث إلى آخره.

                                                                            قوله : " ناقة هدرة " ، يقال : هدر البعير : إذا صاح ، ويروى : كانت ناقة منوقة ، أي : مذللة مروضة ، ويروى : كانت مجرسة ، أي مجربة في الركوب والسير .

                                                                            قال الإمام : فيه دليل على جواز شد الأسير بالوثاق ، وأن الكافر إذا قال : أنا مسلم ، لا يحكم بإسلامه بهذه اللفظة حتى يشهد بالوحدانية ، [ ص: 86 ] والرسالة ، لأنه يريد به أنا منقاد ، ولو كان محكوما بإسلامه ، لما رده إلى الكفار .

                                                                            وفي قوله : " لو قلت وأنت تملك أمرك ، لأفلحت " ، دليل على أن الكافر إذا وقع في الأسر ، فادعى أنه كان قد أسلم قبله ، لا يقبل قوله إلا ببينة تقوم عليه ، وإذا أسلم بعدما وقع في الأسر ، حرم قتله ، وجاز استرقاقه ، وإذا قبل الجزية بعد الأسر هل يحرم قتله؟ فعلى قولين ، وفيه دليل على جواز الفداء ، وروي عن ابن عباس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم " جعل فداء أهل الجاهلية يوم بدر أربع مائة " .

                                                                            ولو وقع في أسر المسلمين صبي من أهل الحرب يحكم بإسلامه تبعا للسابي ، ولا يجوز رده إليهم ، وكذلك لو أسلم أحد أبوي الصغير الكافر يحكم بإسلام الولد ، ويكون مع المسلم منهما ، كان ابن عباس مع أمه من المستضعفين ، ولم يكن مع أبيه على دين قومه ، فإن الإسلام يعلو ، ولا يعلى .

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية