الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر ما يؤخذ به أهل الذمة من تغيير الزي خلاف زي المسلمين

                                                                                                                                                                              6006 - أخبرنا محمد بن عبد الله قال: أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني القاسم بن عبد الله قال: حدثني عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمرو ; [ ص: 13 ] أن عمر كتب إلى أمراء الأجناد يأمرهم أن يختموا في رقاب أهل الجزية بالرصاص، ويصلحوا مناطقهم، ويجزوا نواصيهم، ويركبوا على الأكف عرضا، ولا يضربوا الجزية إلا على من جرت عليه الموسى، ولا يدعوهم يتشبهوا بالمسلمين في ركوبهم .

                                                                                                                                                                              قال أبو عبيد في قولهم: مناطقهم: يعني الزنانير .

                                                                                                                                                                              6007 - حدثنا علي، عن أبي عبيد، قال: حدثنا النضر بن إسماعيل، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن خليفة بن قيس، قال: قال عمر: يا (يرفأ) ، اكتب إلى أهل الأمصار في أهل الكتاب: أن تجز نواصيهم، وأن يربطوا الكستيجات في أوساطهم، ليعرف زيهم من زي أهل الإسلام .

                                                                                                                                                                              وقد روينا عن عمر بن عبد العزيز "أنه أمر في أهل الذمة أن يحملوا على الأكف، وأن تجز نواصيهم" ، وسئل مالك هل للنصارى أن يحدثوا في أرض الإسلام الكنائس؟ قال: لا، إلا أن يكون لهم [ ص: 14 ] [أمر] أعطوه على ذلك .

                                                                                                                                                                              وكان الشافعي يقول: " ينبغي للإمام أن يحدد بينه وبين أهل الذمة جميع ما يعطيهم، ويأخذ منهم، ويرى أنه ينوبه وينوب الناس منهم فيسمي الجزية، وأن يؤدوها على (ما وصفت) ، ويسمي شهرا تؤخذ فيه الجزية، وعلى أن يجري عليهم حكم الإسلام إذا طلبهم به طالب، أو أظهروا ظلما لأحد، وعلى أن لا يذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بما هو أهله، ولا يطعنوا في دين الإسلام، ولا يعيبوا من حكمه شيئا، فإن فعلوا فلا ذمة لهم، ويأخذ عليهم ألا يسمعوا المسلمين شركهم، وقولهم في عزير وعيسى، فإن وجدوهم فعلوا بعد التقدم في عزير وعيسى إليهم، عاقبهم على ذلك عقوبة، ولا يبلغ حدا; لأنهم قد أذن بإقرارهم على دينهم، وأن لا يكرهوا أحدا على دينهم، إذا لم يروه من أبنائهم، ولا رقيقهم، ولا غيرهم، وعلى أن لا يحدثوا في مصر من أمصار المسلمين كنيسة، ولا مجتمعا لصلاتهم، ولا ضرب ناقوس، ولا حمل خمر، ولا إدخال خنزير، ولا يعذبوا بهيمة، ولا يقتلوها ضربا لذبح، ولا يحدثون ما يطيلون به بناء المسلمين، وأن يفرقوا بين هيئاتهم في الملبس والمركب، وبين هيئات المسلمين، وأن يعقدوا الزنانير في أوساطهم، فإنها من [أبين] فرق بينهم وبين هيئات المسلمين، وأن لا يدخلوا مسجدا، ولا يبايعوا مسلما بيعا يحرم في [ ص: 15 ] الإسلام، ولا يزوجوا مسلما محجورا إلا بإذن وليه، ولا يمنعوا من أن يزوجوه حرة إذا كان حرا مالكا لنفسه أو محجورا بإذن وليه بشهود مسلمين، ولا يسقوا مسلما خمرا، ولا يطعموه محرما من لحم الخنزير ولا غيره، ولا يظهروا الصليب في الجماعات في أمصار المسلمين، وإن كانوا في قرية يملكونها منفردين لم نمنعهم إحداث كنيسة، ولا رفع بناء، ولا يعرض لهم في خنازيرهم وخمرهم وأعيادهم وإجماعهم، وأخذوا عليهم أن لا يسقوا مسلما أتاهم خمرا، ولا يبايعوه محرما، ولا يطعموه إياه، ولا يغشوا مسلما .

                                                                                                                                                                              وإن كان بمصر المسلمين لهم كنيسة، أو بناء طائل كبناء المسلمين، لم يكن للإمام هدمها ولا هدم بنائهم، وترك كلا على ما وجد عليه، ومنع من إحداث الكنيسة، وهذا إذا كان المصر للمسلمين أحيوه، أو فتحوه عنوة، وشرط على أهل الذمة هذا، فإن كانوا فتحوه على صلح بينهم وبين أهل الذمة، من ترك إظهار الخمر والخنازير، وإحداث الكنائس فيما ملكوا، لم يكن له منعهم من ذلك، وإظهار الشرك أكبر منه، ولا يجوز للإمام أن يصالح أحدا من أهل الذمة على أن ينزلوا من بلاد الإسلام منزلا تظهر فيه جماعة ولا كنيسة ولا ناقوسا، إنما يصالحهم على ذلك في بلادهم التي وجدوا فيها ففتحوها عنوة أو صلحا، فأما بلاد لم تكن لهم، فلا يجوز هذا له فيها، فإن فعل ذلك أحد في بلد يملكه منعه منه، وإن أظهروا ناقوسا، أو اجتمعت لهم جماعة، أو تهيؤوا بهيئة نهاهم عنها، يقدم في ذلك إليهم، فإن عادوا عاقبهم، وإن فعل هذا منهم فاعل، أو باع مسلما بيعا حراما فقال: ما علمت، تقدم إليه الوالي وأحلفه وأقاله ذلك، فإن عاد عاقبه " . [ ص: 16 ]

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي: "ينبغي للإمام أن لا يترك أحدا من أهل الذمة يتشبه في لباسه، ولا مركبه، ولا في هيئته بالمسلمين، وينبغي أن يؤخذوا حتى يجعل كل إنسان منهم في وسطه [كستيجا] مثل الخيط الغليظ، ويعقده على وسطه، وأن يؤخذوا بأن يلبسوا قلانس مضربة، وأن يركبوا السروج وعلى قربوس السرج مثل الرمانة، وأن يجعلوا شرك نعالهم مثلثة، ولا يحذوها على حذاء المسلمين، ولا يلبسوا طيالسة مثل طيالسة المسلمين، ولا أردية مثل أردية المسلمين" .

                                                                                                                                                                              وقيل لأحمد بن حنبل : للنصارى أن يظهروا الصليب أو يضربوا بالنواقيس؟ قال: ليس لهم أن يظهروا شيئا ليس في صلحهم. قال إسحاق: " ليس لهم أن يظهروا الصليب أصلا، لما نهى عمر بن الخطاب عن ذلك، ويقولون: إن إظهارنا الصليب إنما هو دعاء ندعوكم إلى ديننا، فيمنعون أشد المنع " .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية