الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              اختلاف أهل العلم فيما يفعل بالغال

                                                                                                                                                                              واختلفوا فيما يفعل بمن غل فقالت طائفة: يحرق رحله، كذلك قال الحسن البصري، ومكحول، وسعيد بن عبد الملك، والوليد بن هشام، وقال الحسن البصري : إلا أن يكون حيوانا أو [مصحفا] .

                                                                                                                                                                              وقال الأوزاعي : يحرق متاعه .

                                                                                                                                                                              وقال أحمد، وإسحاق، كقول الحسن، وقال الأوزاعي : لا يحرق ما غل، وكذلك قال أحمد (قال) : ويرفع إلى المغنم. وقال الأوزاعي : ويغرم إن كان استهلك ما غل، وقال الأوزاعي : يحرق [ ص: 54 ] متاعه الذي غزا به، وسرجه، وإكافه، ولا تحرق دابته ولا نفقته إن كانت في خرجه، ولا سلاحه، ولا ثيابه التي عليه، وما ألقت النار من حديد أو غيره فصاحبه أحق بأخذه، وإن رجع الغال إلى أهله أحرق متاعه الذي غزا به، وقال في الغلام الذي لم يحتلم يغل: لا يحرق متاعه ويحرم سهمه، ويغرم إن كان استهلك ما غل، والمرأة يحرق متاعها إذا غلت، والعبد إذا غل رأى الإمام في عقوبته، ولا يحرق متاعه; لأنه لسيده، فإن استهلك ما غل فهو في رقبة العبد إن شاء مولاه افتكه، وإن شاء دفعه بجنايته، وقال: ما أرى بأسا أن يحرق متاع المعاهد إذا غل، وقال في الرجل يوجد معه الغلول فيقول: ابتعته قال: لا يحرق متاعه إذا دخلت شبهة .

                                                                                                                                                                              وقال أحمد : لا تحرق ثيابه التي عليه، ولا سرجه، ولا يحرق ما يلبسه عليه من سلاحه .

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة: لا يحرق رحله ولا يعاقب في ماله هذا قول مالك بن أنس، والليث بن سعد، والشافعي، وكان الليث بن سعد يرى أن عليه العقوبة، وكذلك قال الشافعي إذا كان عالما بالنهي، وقال الشافعي : "لا يعاقب رجل في ماله إنما يعاقب في بدنه، جعل الله الحدود على الأبدان، وكذلك العقوبات، واحتج الشافعي بحديث عبد الله بن عمرو .

                                                                                                                                                                              6047 - أخبرنا حاتم بن منصور أن الحميدي حدثهم قال: حدثنا سفيان، [ ص: 55 ] حدثنا عمرو بن دينار، وابن عجلان عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: لما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم من حنين قال: فلما كان عند قسم الخمس جاءه رجل يستحله خياطا ومخيطا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " ردوا الخياط والمخيط، فإن الغلول عار ونار وشنار يأتي به صاحبه يوم القيامة .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: كأن مراد الشافعي من هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوجب على الرجل شيئا، ولم يحرق عليه رحله، ولو كان ذلك واجبا لفعله به، ولو شاء قائل أن يقول: يحتمل أن يكون الذي استحله الخياط والمخيط غير عالم بتحريم ذلك، وإنما تجب العقوبات على من فعل ذلك بعد علمه بأن ذلك محرم عليه، أو يكون النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمر بأن يحرق رحل من غل بعد عام حنين، فلا يكون ذلك خلافا لما قاله من أوجب حرق رحل الغال، مع أن الحجة إنما تكون في قول من أوجب الشيء، لا قول من وقف عن الإيجاب، وليس في حديث عبد الله بن عمرو ذكر حرق الرحل، وإذا وجد ذلك في حديث آخر وجب استعماله، لأن الذي حفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بحرق رحل الغال شاهد، والذي لم يذكر ذلك ليس بشاهد، وقد احتج بعض من [ ص: 56 ] (يرى) أن للإمام أن يعاقب في الأموال بأشياء، منها حديث معاوية بن حيدة .

                                                                                                                                                                              6048 - حدثنا إسحاق، عن عبد الرزاق، عن [ معمر، عن] بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة، عن أبيه، عن جده قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " في كل أربعين من الإبل سائمة ابنة لبون، فمن أعطاها مؤتجرا فله أجرها، ومن كتمها فأنا آخذها وشطر إبله عزيمة من عزائم ربك، لا تحل لمحمد ولا لآل محمد" .

                                                                                                                                                                              ومنها حديث عبد الله بن [عمرو ] .

                                                                                                                                                                              6049 - أخبرنا محمد بن عبد الله قال: أخبرنا ابن وهب قال: أخبرنا عمرو بن الحارث وهشام بن سعد، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو أن رجلا من مزينة أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله كيف ترى في حريسة الجبل؟ قال: "هي ومثلها، والنكال، ليس في شيء من الماشية قطع إلا فيما آواه المراح فبلغ ثمن المجن; ففيه قطع اليد، وما لم يبلغ ثمن المجن، ففيه غرامة مثليه، وجلدات نكال" . [ ص: 57 ]

                                                                                                                                                                              فقال هذا القائل: ففي قوله: "هي ومثلها" ، تغريم ضعف ما أخذ، ومن ذلك حديث عمر بن الخطاب الذي:

                                                                                                                                                                              6050 - أخبرناه الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب : أن رقيقا لحاطب سرقوا ناقة لرجل من مزينة فانتحروها، فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب، فأمر كثير بن الصلت أن يقطع أيديهم، ثم قال عمر : " إني أراك [تجيعهم] ، والله لأغرمنك غرما يشق عليك ثم قال للمزني: كم ثمن ناقتك؟ قال: أربعمائة درهم. قال: أعطه ثمانمائة .

                                                                                                                                                                              وقد روينا عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين أنهم جعلوا دية من قتل في الحرم دية وثلثا تغليظا على القاتل، قالت هذه الفرقة: فللإمام أن يعاقب أهل الريب والمعاصي بالضرب والحبس، فإذا جاز أن يعاقبهم في أبدانهم فكذلك جائز أن يعاقبهم في أموالهم، بل عند كثير من الناس العقوبة في المال أيسر وأسهل من العقوبة في البدن .

                                                                                                                                                                              وكان أحمد بن حنبل يقول في الرجل يحتمل الثمرة من أكمامه: فيه الثمن مرتان وضرب النكال، وقال: كل من درأنا عنه الحد والقود أضعفنا عليه الغرم لحديث المزني، وكان يرى تغليظ الدية على من قتل في الشهر الحرام، وفي الحرم، والتغليظ فيه دية وثلث . [ ص: 58 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية