الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر الخبر الدال على أن السبق في الرهان في سباق الخيل إنما أبيح بمحلل لا يأمنان أن يسبق الفرسين اللذين وقع الرهان عليهما

                                                                                                                                                                              6413 - حدثنا يحيى بن محمد ، قال: حدثنا مسدد ، قال: حدثنا حصين بن نمير، عن سفيان بن حسين، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أدخل فرسا بين فرسين، (وقد أمن أن لا يسبق فليس بقمار) ، وإن أدخل فرسا بين فرسين وقد أمن أن يسبق: فهو قمار" .

                                                                                                                                                                              6414 - حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا إسحاق بن عيسى - يعني ابن الطباع - ، قال: حدثنا عباد، عن سفيان بن حسين، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أدخل فرسا بين فرسين وهو لا يؤمن أن يسبق فليس به بأس، ومن أدخل فرسا بين فرسين وهو يؤمن أن يسبق فذاكم القمار" . [ ص: 464 ]

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وقد اختلف في هذا الباب، فكان سعيد بن المسيب يقول: ليس برهان الخيل بأس، إذا كان بينهما محلل ليس بدونها إن يسبق أخذ، وإن لم يسبق لم يكن عليه شيء .

                                                                                                                                                                              وقال بظاهر الحديث الزهري .

                                                                                                                                                                              وقال الأوزاعي : إن سابقا على أن من سبق فله سبقه: لم يصلح، وكان قمارا. وإن أدخلا بينهما محللا فلا بأس .

                                                                                                                                                                              وقال أحمد وإسحاق في المحلل: لا يكون بدونهما في الجري والقوة، إن سبق كان له السبق منهما، وإن سبق لم يكن عليه شيء .

                                                                                                                                                                              وكان الشافعي يقول: (الاستباق) ثلاثة: سبق يعطيه الوالي، أو الرجل غير الوالي من ماله متطوعا به، وذلك مثل أن يسبق بين الخيل من غاية إلى غاية فيجعل للسابق نصيبا معلوما. وإن شاء جعل ذلك للمصلي. والثالث، والرابع، ومن يليه بقدر ما رأى، وكان مأجورا إن نوى فيه، وحلالا لمن أخذه. وهذا وجه ليس فيه علة .

                                                                                                                                                                              والثاني: يجمع وجهين، وذلك أن يكون الرجلان يريدان أن يستبقا بفرسيهما، ولا يجوز هذا حتى يدخلا محللا بينهما، والمحلل فرس، أو أكثر من فرس، ولا يجوز ذلك حتى يكون كفؤا [للفارسين] [ ص: 465 ] لا يأمنان أن يسبقهما، فإذا كان بينهما محلل أو أكثر: فلا بأس أن يخرج كل واحد منهما ما تراضيا عليه مائة مائة، أو أكثر، أو أقل، ويتواضعانها على يدي من يثقان به أو يضمنانها، ويجري بينهما المحلل، فإن سبقهما المحلل كان ما أخرجا له، وإن سبق أحدهما المحلل أحرز السابق ماله وأخذ مال صاحبه، وإن أتيا مستويين لم يأخذ أحدهما من صاحبه شيئا .

                                                                                                                                                                              وأقل السبق: أن يفوت أحدهما صاحبه بالهادي أو بعضه، أو الكتد أو بعضه. وإذا كان هكذا في الاثنين فسواء لو كانوا مائة أخرج كل واحد منهم مثل ما يخرج صاحبه، وأدخلوا بينهم محللا إن سبق كان له جميع ذلك، وإن سبق لم يكن عليه شيء وهكذا. هذا في الرمي .

                                                                                                                                                                              والثالث: أن يسبق أحد الفارسين صاحبه، ويكون السبق منه دون صاحبه، فإن سبقه صاحبه كان له السبق، وإن سبق صاحبه لم يغرم صاحبه شيئا وأحرزه وماله، وسواء لو أدخل معه عشرة .

                                                                                                                                                                              هكذا قال الشافعي .

                                                                                                                                                                              ولا يجوز أن يجري الرجل مع الرجل يخرج كل واحد منهما سبقا ويدخلان محللا، إلا والغاية التي ينتهيان إليها واحدة، ولا يجوز أن (يتفضل) أحدهما على صاحبه بخطوة واحدة .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وقد روينا عن جابر بن زيد رواية ظاهرها خلاف قول ابن المسيب . [ ص: 466 ]

                                                                                                                                                                              روينا عن ابن عيينة عن عمرو بن دينار ، قالوا لجابر بن زيد : إن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا لا يرون بالدخيل بأسا. قال: هم أعف من ذلك .

                                                                                                                                                                              وحكاه ابن القاسم ، عن مالك : أنه سئل عن سبق الخيل: أيدخل فيها محلل؟ قال: إلا على مثل ما يسبق الإمام، لا يرجع إليه من سبقه شيء، والرمي مثل ذلك، والخيل أبين. وحكى أشهب عن مالك : أنه قيل له المحلل في الخيل؟ قال: لا أحبه، قيل له: فالرجل يسبق الرجل في فرسه: يجريه معه؟ قال لا أحبه. قيل له: أرأيت إن كان سبقه، ولا يطلب منه مثل ذلك؟ قال: لا أرى بأسا إن كان هكذا .

                                                                                                                                                                              وحدثني علي ، عن أبي عبيد ، أنه قال معنى قوله: إن كان لا يؤمن أن يسبق: فلا بأس به، يقول إذا كان رابعا جوادا لا يأمنان أن يسبقهما، فذهب بالرهنين: فهذا طيب، لا بأس به. وإن كان بليدا بطيئا قد أمنا أن يسبقهما: فهذا قمار، لأنهما لم يدخلا بينهما شيئا، أو كأنهما أدخلا حمارا، أو ما أشبه ذلك مما لا يسبق . [ ص: 467 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية