الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر الحكم في الرجل من المسلمين يشتري أسيرا من أسراء المسلمين من العدو بإذن الأسير أو بغير إذنه

                                                                                                                                                                              أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الرجل إذا اشترى أسيرا من أسراء المسلمين من العدو بأمره، بمال معلوم، ودفع ثمنه عنه بأمره، أن له أن يرجع بذلك عليه .

                                                                                                                                                                              واختلفوا فيه إن اشتراه بغير أمره، فقال كثير من أهل العلم يأخذ منه ما اشتراه به، كذا قال الحسن البصري، وإبراهيم النخعي، والزهري، ومالك بن أنس، والأوزاعي، وشريك، وأحمد بن حنبل، وإسحاق . [ ص: 253 ]

                                                                                                                                                                              وقال قتادة، وأبو هاشم : يؤدي إليه القيمة التي اشتراه بها.

                                                                                                                                                                              وكان الأوزاعي يقول: إذا اختلف الأسير والمشتري، فالقول قول المشتري: وفي قول الشافعي : إذا اشتراه بأمره، ثم اختلفا، فالقول قول الأسير الغارم مع يمينه .

                                                                                                                                                                              وقال الليث بن سعد في المسلم أو الذمي يشتريه المسلم من العدو: إن كانا موسرين دفعا إلى الذي اشتراهما به ما اشتراهما، ويرد الذمي إلى أهل دينه، وإن كانا معسرين رأيت ذلك في بيت مال المسلمين، يعطاه الذي اشتراهما فإن لم يفعل ذلك السلطان، رأيت ذلك الثمن الذي اشتريا به دينا على كل واحد منهما الذي اشتري به .

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة: لا يجب على الأسير شيء مما اشتراه به إذا كان ذلك بغير أمر الأسير، وإن كان ذلك بأمر الأسير لزمه، هذا قول سفيان الثوري، والشافعي، وقيل للثوري: فإن اختلفا في الثمن إذا أقر الأسير أنه قد أمره أن يشريه، ولم يؤقت له الثمن؟ فالقول قول المشتري، وإذا قال الأسير: أمرتك أن تشتريني بكذا، وقال المشتري: أمرتني بكذا، فالقول قول الأسير، وقال ابن أبي ليلى: القول قول المشتري .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: القول قول الأسير الآمر مع يمينه، وهو على مذهب الشافعي . [ ص: 254 ]

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي في الحر يشتريه الرجل من العدو، كما قال الشافعي، وقالوا في التاجر يشتري مملوكا لمسلم: هو أسير في يدي العدو منهم: أنه يصير للذي اشتراه، فللمولى أن يأخذه إن شاء بالثمن .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: وبقول الثوري والشافعي أقول، لا يرجع بما اشتراه به عليه; لأنه متطوع، وإذا تطوع المرء بشيء لم يجز أن يلزم الأسير ذلك بغير حجة، ولا نعلم حجة توجب للمشتري الرجوع على الأسير، والله أعلم.

                                                                                                                                                                              والجواب في العبد يشتريه التاجر من العدو، فيما أخذ من المسلمين، كالجواب في الحر يأخذه مولاه، ولا شيء للمشتري، كان ذلك قبل القسم وبعده سواء .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية