الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر الخبر الدال على أن الانتفاع بشيء من المغانم غير جائز قبل القسم غير الطعام

                                                                                                                                                                              6068 - حدثنا علي بن عبد الرحمن بن المغيرة، حدثنا سعيد بن أبي مريم قال: أخبرنا نافع بن يزيد قال: حدثني ربيعة بن أبي سليمان مولى عبد الرحمن بن حسان التجيبي، أنه سمع حنش الصنعاني يحدث أنه سمع رويفع بن ثابت في غزوه أناس قبل المغرب يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في غزوة خيبر: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يركب دابة من المغانم حتى إذا أنقضها ردها في المغانم، ولا ثوب حتى إذا أخلقه رده في المغانم" .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: فاستعمال دواب العدو، ولباس ثيابهم غير جائز على ظاهر هذا الحديث، إلا أن يجمع أهل العلم على شيء من ذلك، فنستعمل ما أجمع عليه أهل العلم من ظاهر هذا الحديث لعلة ما، ولحال الضرورة في (معمعة) الحرب، فإذا انقضت الضرورة وزالت العلة التي لها أجمعوا على إباحة ذلك رجع الأمر إلى الحظر، [ ص: 80 ] ووجب رد ما أبيح استعماله في حال الضرورة إلى جملة المال، وقد روينا في ذلك حديثا في إسناده مقال عن عبد الله بن مسعود أنه استعمل بعض سلاح العدو لما احتاج إليه .

                                                                                                                                                                              6069 - حدثنا علي بن عبد العزيز، حدثنا عبد الله بن رجاء، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله قال: انتهيت إلى أبي جهل وقد ضربت رجله ولا أخافه يومئذ وهو يذب بسيفه، فقلت له: الحمد لله الذي أخزاك يا أبا جهل قال: فأضربه بسيف معي غير طائل، قال: فوقع سيفه من يده فأخذت سيفه فضربته به حتى برد، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم لأبشره به وأنا من أسرع الناس يومئذ شدا، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: قتل الله أبا جهل...، وذكر الحديث .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر:

                                                                                                                                                                              وممن رخص في استعمال السلاح في (معمعة) الحرب وفي حال الضرورة مالك بن أنس، وسفيان الثوري، والأوزاعي، والشافعي، [ ص: 81 ] وأحمد بن حنبل، وأبو ثور، والنعمان، ويعقوب .

                                                                                                                                                                              والجواب في الفرس يقاتل عليه في الحرب كالجواب في السلاح، غير أن الأوزاعي قال: لا يمكن أخذهما إلا بإذن الإمام، إلا أن يكون في حال لا يستطيع أن يستأذن الإمام فتكون ضرورة، قيل للأوزاعي : فيلبس الرجل من الثوب من البرد من الفيء ويعطى من الفيء (بقدر مما يلبس) ؟ قال: ذلك مكروه إلا أن يخاف الموت فيلبس فإنها ضرورة .

                                                                                                                                                                              قلت: فإن أصاب علفا وليس معه وعاء، وهو محتاج إلى علف يخاف إن لم يفعل يقطع به، أيأخذ وعاء من الفيء فيحمل فيه إلى العسكر؟ قال: هذه ضرورة لا بأس .

                                                                                                                                                                              وقال أحمد بن حنبل في الفرس: لا يركبه في غير وقت الضرورة حتى يتعبه، ثم قال: أخذ ابن مسعود سيف أبي جهل فضربه .

                                                                                                                                                                              وكان أبو ثور يقول في السلاح والدواب من الغنيمة يحتاجون إليه: أخذوه فإذا استغنوا عنه ردوه إلى الغنيمة حتى تقسم، فإن كانوا على خوف كان لهم أن يستعملوه حتى يخرجوا من بلاد الحرب، أو يأمنوا - والله أعلم - بإذن الإمام وغير إذنه، قال: وقال أبو عبد الله، والأوزاعي : له أن يأخذ ما كان في معمعة الحرب، ولا يؤخره إلى أن تنقضي الحرب فيعرضه للهلاك، قال: وقال بعض الناس، وصاحبه [ ص: 82 ] - يعني النعمان ويعقوب - : له أن يأخذه بغير إذن الإمام حتى يفرغ من الحرب ثم يرده .

                                                                                                                                                                              وكان الشافعي يقول: "ما أعلم ما قال الأوزاعي إلا موافقا للسنة، معقولا; لأنه يحل في حال الضرورة الشيء، فإذا انقضت الضرورة لم يحل، وما علمت ما قال أبو حنيفة قياسا ولا خبرا" .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية