الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر قسم الغنائم في دار الحرب

                                                                                                                                                                              واختلفوا في قسم الغنائم في دار الحرب، فكان مالك، والأوزاعي، والشافعي، وأبو ثور يقولون: يقسمها الإمام في دار الحرب إن شاء .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي: لا ينبغي لإمام المسلمين إذا أصابوا غنائم في دار الحرب، أن يقسموا شيئا من ذلك، حتى يحرزه إلى دار الإسلام، من قبل أنه لو لحق بهم جيش من جيوش المسلمين، وقد غنموا شركهم في تلك الغنيمة، فلا ينبغي لهم أن يقسموها، حتى يحرزوها إلى دار الإسلام، [ ص: 205 ] وإن هم فعلوا فاقتسموا في دار الحرب كانوا قد أساؤوا، وجاز ذلك، وإن احتاج عسكر المسلمين، وهم مع الإمام في دار الحرب إلى ما صار في الغنيمة من الثياب، والمتاع، والدواب، فلا بأس أن يقسم ذلك بينهم في دار الحرب، وأما الرقيق، فلا ينبغي له أن يقسم بينهم شيئا منه حتى يحرزوه إلى دار الإسلام، وإن فعل وقسم ذلك جاز .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: بقول مالك، والشافعي (أقول) ; وذلك للثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قسم يوم خيبر للفرس سهمين، ولصاحبه سهما، وقد ذكرت أسانيد هذا الحديث في باب ذكر ما يستحقه الفارس، والراجل من السهام، وفي خبر ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم لمائتي فرس يوم خيبر سهمين، سهمين .

                                                                                                                                                                              6190 - أخبرنا إبراهيم بن مرزوق، حدثنا أبو عاصم، عن ابن جريج، قال: أخبرني ابن شهاب، عن علي بن حسين، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب، قال: أصبت شارفا في مغنم بدر، وأعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم شارفا، فأنختهما على باب رجل من الأنصار، وأنا أريد أن أحمل عليهما إذخر، ومعي رجل من بني قينقاع، أستعين به على وليمة فاطمة، وحمزة بن عبد المطلب في البيت، وقينة تغنيه، فقالت:


                                                                                                                                                                              ألا يا حمز للشرف النواء

                                                                                                                                                                              فقال إليهما بالسيف، فجب أسنمتهما، وبقر خواصرهما، وأخذ من أكبادهما. قال: فقلت لابن شهاب: فما صنع بالسنام؟ قال: ذهب به كله. قال: فنظرت إلى أمر أفظعني، قال: فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعه زيد بن [ ص: 206 ] حارثة، فخرج يمشي حتى قام على حمزة، فتغيظ عليه، فرفع حمزة بصره، فقال: هل أنتم إلا عبيد آبائي، قال: فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يقهقر -
                                                                                                                                                                              وقال غيره: أصبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم شارفا يوم بدر .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: واستدل بعض أصحابنا على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قسم غنائم بدر ببدر، لما كان في خبر علي أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه شارفا، وفي خبر أبي طلحة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ظهر على قوم أحب أن يقيم بعرصتهم ثلاثا، قال: ففي الجمع بين هذين الخبرين كالدليل على أن النبي عليه السلام: إنما قسم غنائم بدر ببدر .

                                                                                                                                                                              6191 - حدثنا محمد بن إسماعيل الصائغ، حدثنا عفان، حدثنا معاذ بن معاذ، عن سعيد، عن قتادة، عن أنس، عن أبي طلحة، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا غلب قوما أحب أن يقيم بعرصتهم ثلاثا .

                                                                                                                                                                              1692 - وحدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا الحسن بن علي، حدثنا هشام بن عمار، حدثنا شعيب بن إسحاق، حدثنا سعيد بن أبي عروبة، والوليد، عن سعيد بن بشير، عن قتادة، عن أنس، عن أبي طلحة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر يوم بدر ببضعة وعشرين رجلا من صناديد قريش، فقذفوا في طوي من أطواء بدر، وكان إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاثا، فلما كان يوم بدر أقام ثلاثا . [ ص: 207 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية