الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر الأخبار التي احتج بها من قال: إن مكة فتحت عنوة

                                                                                                                                                                              6316 - حدثونا عن هشام بن عمار ، حدثنا عبد الحميد، حدثنا الأوزاعي ، حدثنا يحيى بن أبي كثير ، حدثني أبو سلمة ، حدثني أبو هريرة قال: لما فتحت مكة قتلت هذيل رجلا من بني ليث بقتيل لهم في الجاهلية، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إن الله حبس عن مكة الفيل وسلط عليها رسوله والمؤمنين، إنها لا تحل لأحد قبلي، ولن تحل لأحد بعدي، وإنما أحلت لي ساعة من نهار وإنها ساعتي هذه...." وذكر الحديث .

                                                                                                                                                                              6317 - حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا عفان ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن عبد الله بن رباح قال: وفدنا إلى معاوية وفينا أبو هريرة ، فكان يلي طعام القوم كل يوم رجل منهم قال: فكان يومي فاجتمع القوم عندي ولما يدرك طعامهم فقلت: يا أبا هريرة ، لو حدثت القوم بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يدرك طعامهم قال: فقال أبو هريرة : شهدت مع رسول الله يوم الفتح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا هريرة ، ادع الأنصار" فدعوتهم فجاؤوا يهرولون، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أترون أوباش قريش إذا لقيتموهم غدا فاحصدوهم حصدا" وأشار عفان كأنه يحتش شيئا ثم موعدكم الصفا، واستعمل خالد بن الوليد على المجنبة اليمنى، والزبير بن العوام على المجنبة [ ص: 384 ] اليسرى، واستعمل أبا عبيدة على البياذقة في بطن الوادي قال عفان : البياذقة هم الحسر، وهم الذين ليس عليهم سلاح، فلما كان الغد لقيناهم فلم يشرف لهم أحد إلا أناموه، وفتح لرسول الله فجاء حتى صعد الصفا وجاءت الأنصار فأطافوا بالصفا، فجاء أبو سفيان فقال: يا رسول الله، (أبيحت) خضراء قريش لا قريش بعد اليوم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من دخل داره فهو آمن، ومن ألقى سلاحه فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن". فقالت الأنصار: أما الرجل فقد أخذته رأفة بعشيرته ورغبة في قريته، ونزل عليه الوحي فلما سري عن رسول الله قال: "يا معشر الأنصار قلتم: أما الرجل فقد أدركته رأفة بعشيرته ورغبة في قريته فما اسمي إذا، أنا عبد الله ورسوله وهاجرت إلى الله وإليكم فالمحيا محياكم والممات مماتكم" فقالت الأنصار: ما قلنا ذلك إلا ضنا بالله وبرسوله. قال: "فإن الله ورسوله يصدقانكم ويعذرانكم" .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : قالوا: فكيف يجوز أن يكون دخوله مكة صلحا وهو يأمرهم أن يحصدوهم حصدا، وهذا يستحيل أيجوز لأحد أن يظن بالنبي صلى الله عليه وسلم أنه أمنهم بمر الظهران أو قبل دخوله مكة ثم نقض ذلك، أو يكون وعدهم وعدا ثم أخلف ذلك، هذا غير جائز ما يحل [ ص: 385 ] لمسلم أن يظن هذا به، ومما يدل على صحة هذا القول قوله لأم هانئ "قد أجرنا من أجرت" فلولا أن مكة فتحت عنوة ما كان لقوله لها معنى إذا كان الأمان قد وقع لهم جميعا .

                                                                                                                                                                              6318 - حدثنا عباس بن محمد الدوري، حدثنا عبد الله بن عبد المجيد، حدثنا ابن أبي ذئب ، عن المقبري، عن أبي [مرة] مولى عقيل بن أبي طالب، عن أم هانئ بنت أبي طالب قالت: أجرت حموين لي مشركين فدخل علي بن أبي طالب فتفلت عليهما ليقتلهما وقال: تجيرين المشركين. قالت: فقلت لا والله لا تقتلهما حتى تبدأ بي قبلهما ثم خرج فقلت: أغلقوا دونه وذهبت إلى خباء رسول الله صلى الله عليه وسلم بأسفل الثنية فلم أجده ووجدت فيه فاطمة فقلت لها: ماذا لقيت من ابن أمي علي ، أجرت حموين لي من المشركين، فتفلت عليهما ليقتلهما وقال: لم تجيرين المشركين؟! قالت: إلى أن اطلع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه رهجة الغبار فقال "مرحبا بأم هانئ" وعليه ثوب واحد فقلت: يا رسول الله، ماذا لقيت من ابن أمي علي ، ما كدت أن أنفلت منه، أجرت حموين لي من المشركين، فتفلت عليهما ليقتلهما قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما كان ذلك له قد أمنا من أمنت وأجرنا من أجرت"، ثم أمر فاطمة فسكبت له غسلا فاغتسل، ثم صلى ثماني ركعات في ثوب واحد مخالف بين طرفيه وذلك ضحى في فتح مكة . [ ص: 386 ]

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : واحتجوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن ألقى سلاحه فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن" واحتجوا بقتل ابن خطل ولو دخلها النبي صلى الله عليه وسلم صلحا ما قتل أحدا، وقال: فإن احتج محتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرو عنه، أنه خمسها فاستدللنا بتركه أن يخمسها على أنها فتحت صلحا إذ لو كان فتحها عنوة لخمسها كما خمس خيبر ، وكذلك لم يسترق أهلها فدل على أنه فتحها صلحا .

                                                                                                                                                                              قال: فيقال له: قد اختلف الناس في استرقاق العرب فيحتمل أن يقول قائل إن العرب لا يسترقون فلذلك لم يسترقهم. قيل: قد قال قوم: إن للإمام أن يخمس القرى إذا فتحها، وله أن يقف عن ذلك على قدر ما يرى من المصلحة، ولعل النبي صلى الله عليه وسلم قد خمسها وإن لم يرو لنا ذلك، وهذا أولى الأشياء ظنا بالنبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يتخلف عن شيء من أمر الله، وقد يجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم خمسها فاستغنى الناس بكتاب الله عن أن يحكوا ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                              6319 - حدثنا عبد الله بن أحمد ، قال: حدثنا سعيد بن منصور قال: حدثنا معتمر بن سليمان عن أبيه عن أبي عثمان عن أبي برزة الأسلمي [ ص: 387 ] قال: قتل ابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة .

                                                                                                                                                                              6320 - حدثنا أبو أحمد قال: أخبرنا جعفر بن عون ، حدثنا زكريا بن أبي زائدة ، عن عامر، عن الحارث بن مالك بن البرصاء قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول يوم فتح مكة : "لا تغزى بعدها إلى يوم القيامة" .

                                                                                                                                                                              6321 - حدثنا أبو أحمد قال: أخبرنا جعفر بن عون قال: حدثنا زكريا عن عامر، عن عبد الله بن مطيع [عن أبيه] قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة يقول: "لا يقتل قرشي صبرا بعد هذا اليوم إلى يوم القيامة" قال: "ولم يدرك الإسلام من عصاة قريش إلا مطيع"، كان اسمه العاص فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم مطيعا . [ ص: 388 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية