الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              التفرقة بين الإخوة وبين سائر القرابات

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في التفرقة بين الإخوة وكل ذي رحم محرم من الرجال والنساء .

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة: لا يفرق بين شيء من السبي، كذلك قال أحمد بن حنبل، قيل له: والصغير والكبير، والذكر والأنثى سواء؟ قال: نعم .

                                                                                                                                                                              6251 - حدثنا علي بن الحسن، حدثنا عبد الله بن الوليد، عن سفيان، عن عمرو بن دينار، عن عبد الرحمن بن فروخ، عن أبيه، قال: كتب إلي عمر بن الخطاب : "أن لا تفرق بين أخوين - يعني في البيع - " .

                                                                                                                                                                              6252 - وحدثنا محمد بن علي، حدثنا سعيد، حدثنا سفيان، عن [ ص: 266 ] عمرو بن دينار، عن عبد الرحمن بن فروخ، عن أبيه، قال: كتب إلينا عمر بن الخطاب : " لا تفرقوا بين الأخوين، ولا بين الأم وولدها في البيع. وقال سفيان مرة: كتب إلي نافع بن عبد الحارث بذلك .

                                                                                                                                                                              6253 - وحدثنا محمد بن علي، حدثنا سعيد، حدثنا أبو شهاب، عن محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن الحسن، عن أمه فاطمة بنت الحسين قالت: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة إلى مدينة مقنا فأصاب منهم سبايا فيهم ضميرة مولى علي فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببيعهم، فخرج إليهم وهم يبكون، فقال: "ما لهم يبكون؟" قال: فرقنا بينهم وهم إخوة، فقال: "لا تفرقوا بينهم بيعوهم جميعا" .

                                                                                                                                                                              وقال راشد بن سعد : كانوا يكرهون أن يفرقوا بين القرابة في البيع: الأم وولدها، والأخ وأخته .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي: ينبغي لوالي الجيش إذا أصابوا غنيمة من العدو وفيهم رقيق، فأراد أن يقسمهم أو يبيعهم وفيهم رجل وامرأته، ومعهما ولد صغير، أسلموا أو لم يسلموا، ينبغي له أن يجعلهم في [ ص: 267 ] سهم رجل واحد من المسلمين، فإن لم يبلغ الرقيق ما يصير هذا الرجل وامرأته وولده لهم، جعلهم لعدة من المسلمين، وإن لم يتفق ذلك باعهم جميعا، ولا يفرق بينهم، فإن هو فرق بينهم جاز ذلك. وقد أساء في قول النعمان وزفر .

                                                                                                                                                                              وأما في قول يعقوب : فإنه لا ينبغي أن يفرق بينهم، ويستردهم حتى يجمع بينهم جميعا وبنيهم، أو يجعلهم في سهم رجل، وكذلك لو كان في السبي امرأة وولدها صغير، ولم يسب أبوه معهما، أو كان رجل وولد له صغير وليس معهما أم الصبي، أو كان غلامان آخران صغيران، أو أحدهما صغير والآخر كبير، وليس معهما أحد من أبويهما، وكذلك الأختان، وكذلك الرجل وابن أخيه وهو صغير، وكذلك الصبي أو الصبية إذا كان مع كل واحد منهما عمه، أو خاله، أو جده، أو جدته، أو ابن أخته، أو ذو رحم محرم من قبل الرجال والنساء، فلا ينبغي للوالي أن يفرق بين أحد منهم في قسمة ولا بيع، ومن فرق بين من سمينا فقد أساء في ذلك، وجاز في قول أبي حنيفة وزفر، وينبغي أن لا يفرق، وإن فرق استردهما حتى يجمع بينهما، ثم يصيرهما جميعا في سهم رجل من المسلمين، أو يبيعهما جميعا في قول يعقوب.

                                                                                                                                                                              ولا بأس في قولهم جميعا أن يفرق بين المرأة وزوجها إذا كانوا في السبي في القسم والبيع، وكل ذلك مما لا يجوز التفريق بينهما ما داموا صغارا، وإذا كانوا كبارا قد أدركوا، وليس فيهم صغير، فلا بأس أن يفرق بينهم في القسمة والبيع .

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة: يجوز أن يفرق بين كل من سوى الوالدين والولد. هذا قول الشافعي . [ ص: 268 ]

                                                                                                                                                                              وقال الليث بن سعد : أدركت الناس وهم يفرقون بين الأخوين في البيع، وبين الوالد وولده، ولا يفرقون بين الأم وولدها حتى يبلغ، وحده أن ينفع نفسه ويستغني عن أمه فوق عشر سنين أو نحو ذلك .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: الذي لا يجوز التفريق بينهم الوالدة وولدها، والولد صغير لم يبلغ سبع سنين; لأن هذه حال قد أجمع أهل العلم على المنع من ذلك، ولو قال قائل: إن حكم الأب كحكم الأم في أن لا يفرق بينه وبين ولده الطفل كما قلنا في الأم سواء، لكان مذهبا حسنا، فأما سائر القرابات فالمنع من التفريق بينهم غير جائز، إذا لا أعلم مع من منع منه حجة تلزم، والله أعلم . [ ص: 269 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية