الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر (...) في تولية القضاء من لا يستحقه لجهله به

                                                                                                                                                                              6443 - حدثنا أبو حاتم الرازي وإبراهيم بن الحسين الهمداني، قال: حدثنا الحسن بن بشر البجلي، قال: حدثنا شريك بن عبد الله ، عن الأعمش ، عن سعد بن عبيدة ، عن ابن بريدة ، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "القضاة ثلاثة: قاضيان في النار، وقاض في الجنة، فمن قضى بغير الحق وهو يعلم فذاك في النار، وقاض قضى وهو لا يعلم فأهلك حقوق الناس فذاك في النار، وقاض قضى بالحق فذاك في الجنة" . [ ص: 499 ]

                                                                                                                                                                              6444 - حدثنا سهيل بن عمار ، قال: حدثنا يزيد بن هارون ، قال: أخبرنا بقية، قال: ثنا صفوان بن عمرو ، عن عبد الرحمن بن [جبير] وشريح بن عبيد الحضرميين، عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن القاضي ليزل في حكمه في مزلته أبعد من عدن في نار جهنم" .

                                                                                                                                                                              6445 - حدثنا علي بن عبد العزيز ، قال حدثنا حجاج ، قال: حدثنا حماد ، قال: حدثنا [أبو سنان] ، عن يزيد بن عبد الله بن موهب، أن عثمان قال لابن عمر : اقض بين الناس. قال: لا أقضي بين رجلين ولا أؤمهما. قال عثمان : لتقضين. قال: لا. قال: فإن أباك كان يقضي. قال: أجل، إن أبي كان إذا أشكل عليه شيء سأل النبي صلى الله عليه وسلم فإن أشكل على النبي صلى الله عليه وسلم سأل جبريل، وإني لا أجد من أسأله، وإنه بلغني أن القضاة ثلاثة: رجل جاف فهو في النار. ورجل قضى بجهل فهو في النار، ورجل اجتهد فأصاب فذاك كفاف لا له ولا عليه. ثم قال: أما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من عاذ بالله فقد عاذ بمعاذ؟" فقال عثمان : بلى. قال: فإني أعوذ بالله أن تستقضيني. فأعفاه وقال: لا تخبرن أحدا . [ ص: 500 ]

                                                                                                                                                                              6446 - حدثنا علي بن عبد العزيز ، عن أبي عبيد ، قال: حدثنا عثمان بن صالح المصري، عن ابن لهيعة ، عن عبد الله بن هبيرة السبائي، أن أبا الدرداء جعل قاضيا قال: فكتب إليه سلمان : إنك جعلت طبيبا، فإن كنت تبرئ الناس فنعم ما أنت، وإن كنت متطببا فاحذر أن يموت على يديك أحد من الناس. قال: فكان أبو الدرداء إذا قضى بقضاء يشك فيه قال: متطبب والله، ردوا علي الخصمين .

                                                                                                                                                                              6447 - وحدثنا علي ، عن أبي عبيد ، قال: حدثنا يزيد ، عن إبراهيم ، [عن] عطاء [بن] أبي ميمونة مولى عمران بن حصين ، أنه قضى على رجل بقضية، فقال: والله لقد قضيت علي بجور وما ألوت. فقال: وكيف ذاك؟ فقال: شهد علي بزور. فقال عمران: ما قضيت عليك فهو في مالي، ووالله لا أجلس مجلسي هذا أبدا . [ ص: 501 ]

                                                                                                                                                                              6448 - وحدثنا علي ، عن أبي عبيد ، قال: حدثني الفضل بن دكين . وحدثنا علي ، عن أبي نعيم، عن الأعمش ، عن رجاء الأنصاري ، عن عبد الرحمن الأزرق قال: كنت جالسا عند أبي مسعود الأنصاري فدخل رجلان المسجد فقالا: من نافذ بيننا رحمه الله؟ فقال رجل من خلفه إلى جنبه: أنا. فأخذ أبو مسعود قبضة من حصاة فرماه ثم قال: لا تسارع إلى الحكم .

                                                                                                                                                                              6449 - وحدثنا علي ، عن أبي عبيد ، قال: حدثنا خالد بن عمرو القرشي، عن المغلس بن زياد، عن شبيب بن غرقدة قال: خرج علي ومعه صاحب له فلما انتهى إلى موضع - قد سماه - أقبل غلمان يتخايرون إلى الرجل الذي مع علي ، قال: فضرب علي منكبه وقال: إنهم قد تحاكموا إليك فاعدل .

                                                                                                                                                                              6450 - حدثنا أبو ميسرة ، قال: حدثنا ابن حساب، قال: حدثنا حماد بن زيد ، قال: حدثنا يحيى بن سعيد ، عن محمد بن سعيد بن المسيب ، عن أبيه، أن مسلما خاصم يهوديا إلى عمر بن الخطاب فرأى الحق لليهودي فقضى له، فقال اليهودي: إن الملكين جبريل وميكائيل ليتكلمان على لسانك، أحدهما عن يمينك والآخر عن شمالك. فعلاه بالدرة وقال: ما يدريك لا أم لك؟! فقال: إنهما مع كل قاض يقضي ما قضى بالحق، فإذا ترك الحق عرجا ووكلاه إلى شياطين الإنس والجن. فقال عمر : إني أحسبه كما قال - أو كما قلت . [ ص: 502 ]

                                                                                                                                                                              وقد روينا عن شريح أنه قال: القضاء جمر فادفع الجمر عنك بعودين .

                                                                                                                                                                              وروينا عن عمر بن عبد العزيز أنه قال: لا ينبغي للرجل أن يكون قاضيا حتى يكون فيه خمس خصال، وإن أخطأت واحدة كانت فيه وصمة، وإن أخطأته ثنتان كانت فيه وصمتان، حتى يكون عالما لما قبله، مستشيرا لذي الرأي، ذا نزهة عن الطمع، حليما عن الخصم، محتملا للائمة .

                                                                                                                                                                              وكان الشافعي يقول: وإن لم يكن في عقله مما إذا عقل القياس عقله، وإذا سمع الاختلاف ميزه، فلا ينبغي له أن يقضي، ولا لأحد أن يستقضيه، وينبغي له أن يتحرى أن يجمع المختلفين، لأنه أشد لتقصيه في العلم، ولكشف بعضهم على بعض بعيب بعضهم قول بعض، حتى يتبين له أصح القولين على التقليد أو القياس .

                                                                                                                                                                              وقد روينا عن ابن سيرين أن عمر قال: لأنزعن فلانا عن القضاء، ولأستعملن رجلا إذا رآه الفاجر فرقه . [ ص: 503 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية