الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر إطلاق الأسير بغير مال من معان جامعة

                                                                                                                                                                              6230 - حدثنا موسى بن هارون، حدثنا قتيبة بن سعيد، قال: حدثنا الليث بن سعد، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، أنه سمع أبا هريرة، يقول: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خيلا قبل نجد. فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال سيد أهل اليمامة، فربطوه بسارية من سواري المسجد، فخرج إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " ماذا عندك؟ يا ثمامة!" قال: عندي يا محمد ، إن تقتل تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت، فتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان الغد، ثم قال له: "ما عندك يا ثمامة؟" قال: ما قلت لك، إن تنعم تنعم على شاكر، وإن تقتل تقتل ذا دم، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت، فتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بعد الغد، فقال: "ما عندك يا ثمامة؟!" فقال: عندي ما قلت لك: إن تنعم تنعم على شاكر، وإن تقتل تقتل ذا دم، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أطلقوا ثمامة"، فانطلق إلى نخل قريب من المسجد، فاغتسل، ثم دخل المسجد فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله!، والله يا محمد! ما كان على الأرض وجه أبغض إلي من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلها إلي، [ ص: 244 ] ووالله! ما كان من دين أبغض إلي من دينك، فقد أصبح دينك أحب الدين كله إلي، ووالله ما كان من بلد أبغض إلي من بلدك، فأصبح بلدك أحب البلاد كلها إلي، وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة، فماذا ترى؟ فبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمره أن يعتمر، فلما قدم مكة، قال له قائل: أصبوت؟ قال: لا، ولكني أسلمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا، والله! لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                              6231 - أخبرنا حاتم بن منصور، أن الحميدي، حدثهم قال: حدثنا سفيان، حدثنا ابن عجلان، عن سعيد، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسر ثمامة بن أثال..، وذكر بعض الحديث قال ثمامة: والله لا يأتي أهل مكة حبة من طعام حتى يسلموا، فقدم اليمامة، فحبس عنهم الحمل، حتى شق ذلك عليهم، فكتبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم: إنك تأمر بصلة الرحم، وإن ثمامة قد حبس عنا الحمل، فكتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى ثمامة، أن خل إليهم الحمل، فخلاه إليهم .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: ومما دل عليه هذا الحديث إباحة ربط الأسير في المسجد، وإباحة دخول المشرك المسجد، وإباحة دخول المسجد للمسلم الجنب الذي خبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه ليس بنجس أولى بذلك، ويستحب تعاهد الأسارى من المشركين لئلا يضر بهم العطش والجوع، وقد احتج بهذا الحديث بعض من رأى أن العرب تجري عليها الرق; لأن في بعض الأخبار أن النبي صلى الله عليه وسلم أعتقه، من حديث: محمد بن يحيى قال: حدثنا النفيلي، قال: حدثنا محمد بن سلمة، عن [ ص: 245 ] ابن إسحاق، قال: فأخبرني سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطلق: فقال: "قد عفوت عنك يا ثمامة، وأعتقتك" .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية