الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر الخروج إلى أرض العدو للتجارة

                                                                                                                                                                              جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من أقام مع المشركين فقد برئت منه الذمة" .

                                                                                                                                                                              6338 - حدثنا علي بن عبد العزيز ، حدثنا حجاج ، حدثنا حماد ، عن الحجاج ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس بن أبي حازم ، عن جرير بن عبد الله البجلي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "من أقام مع المشركين فقد برئت منه الذمة" .

                                                                                                                                                                              6339 - حدثنا علي ، حدثنا حجاج ، حدثنا همام ، حدثنا قتادة ، عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تساكنوا المشركين ولا تجامعوهم فمن ساكنهم وجامعهم فهو مثلهم" .

                                                                                                                                                                              6340 - وروى هذا الحديث إسحاق بن إدريس، عن همام ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن سمرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله . [ ص: 406 ]

                                                                                                                                                                              واختلف أهل العلم في الدخول إلى أرض الشرك بالتجارات، فكرهت طائفة ذلك، وممن كان يكره ذلك: مالك بن أنس ، والأوزاعي ، قال مالك : أرى أن يمنعوا من ذلك، وكره ذلك كراهية شديدة، وكره الأوزاعي أن يدخل دار الحرب للتجارة لما يجري عليهم من أحكامهم ويخرج من أحكام المسلمين، وكان أحمد بن حنبل يستعظم الخروج إلى بلاد الشرك للتجارة، وروينا عن الحسن البصري أنه قال فيمن يحمل الطعام إلى أرض العدو: أولئك الفساق .

                                                                                                                                                                              وكرهت فرقة حمل السلاح إليهم وسهلت فيما سوى السلاح، كان عطاء بن أبي رباح يكره حمل السلاح والخيل إليهم وما يتقوون به، فأما غيره فلا بأس، وكذلك قال عمرو بن دينار ، وروينا عن عمر بن عبد العزيز أنه نهى أن تحمل الخيل إلى أرض العدو، وقال الليث بن سعد في مسلم أخذ معه سلاحا مبيعا من الروم وهم عدو للمسلمين قال: أرى أن يعاقب عقوبة موجعة، وأن يحبس في السجن حتى يكون ذلك نكالا وعظة لغيره، وذكر الشافعي حديث عمران بن حصين أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتروا رجلا من بني عقيل ففاداه رسول الله بالرجلين اللذين أسرتهما ثقيف وقد ذكرت إسناد هذا الحديث في هذا الكتاب. قال الشافعي : وإذا فداه النبي صلى الله عليه وسلم بالرجلين من أصحابه، فإنما فداه [ ص: 407 ] بهما أنه فك الرق عنه بأن خلوا صاحبيه، وفي هذا دلالة على أن لا بأس أن يخرج المسلم من بلاد الإسلام إلى بلاد الشرك فإن النبي صلى الله عليه وسلم إذ فدى صاحبيه بالعقيلي بعد إسلامه، وبلاده بلاد شرك، وفي ذلك دلالة على ما وصفت .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : يكره أن يدخل الرجل أرض الحرب حيث تجري أحكامهم عليه، وإن بايعهم لم يحرم البيع، وجاز إذا كان ذلك مما يجوز بين المسلمين، فأما التجارة في بلاد الحرب في عسكر المسلمين فمباح ولا أكرهه، ولا أحفظ عن أحد خلاف ما ذكرت، وقد ذكر أبو بكر بن أبي مريم، عن مكحول ومشايخهم: أنهم لم يكونوا يكرهون ذلك، ورخص فيه مالك ، وقال أحمد : لم يزل أهل الشام يفعلون هذا .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية