الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              [ ص: 7 ] بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                                                                                              الله المستعان

                                                                                                                                                                              أخبرنا أبو منصور محمد بن رزيق البلدي قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر .

                                                                                                                                                                              ذكر أخذ الجزية من ثمن الخمر والخنازير

                                                                                                                                                                              6001 - حدثنا علي بن الحسن، قال: حدثنا عبد الله بن الوليد، عن سفيان، عن إبراهيم [بن عبد] الأعلى، عن سويد بن غفلة ; أن عمر ذكر له أن عمالا يأخذون الخمر والخنازير في الجزية، قال: (فنشدهم) عمر، فقال بلال: إنهم ليفعلون، فقال: لا تكونوا أمثال اليهود، حرمت عليهم الشحوم فباعوها فأكلوا أثمانها، ولوهم بيعها . [ ص: 8 ]

                                                                                                                                                                              وقد اختلف أصحابنا في هذا الباب ففي مذهب الشافعي : لا يجوز أن يأخذ منهم أحد أثمان الخمر والخنازير، وهذا قياس قول أبي ثور، وكان مالك يقول: وإنما يعطي أهل الكتاب الجزية من ثمن الخمر والخنازير، وذلك حلال للمسلمين أن يأخذوه من أهل الكتاب في الجزية، ولا يحل لهم أن يأخذوا في جزيتهم الخمر بعينها ولا الخنزير حيا .

                                                                                                                                                                              واختلفوا في الخمر والخنازير يمر بها على العاشر، (فممن) رأى أن يعشر الخمر مسروق، والنخعي، والنعمان، وقال ابن الحسن : أما الخنازير فلا يعشرها، وأما الخمر فيأخذ نصف عشر قيمتها. وقال الحسن بن صالح: يقوم عليهم العاشر الخمر والخنازير إذا اتجروا فيها، ويأخذ عشرها من القيمة .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: وقد روينا عن شريح أنه ضمن مسلما خمرا أهراقها لذمي، وروينا عن الحسن أنه قال: في الخمر العشر، وقد روينا عن عمر بن عبد العزيز أنه قال: "الخمر لا يعشرها مسلم" ، وهذا على مذهب أبي ثور، وأبي عبيد . [ ص: 9 ]

                                                                                                                                                                              وكان أحمد بن حنبل لا يوجب على من أهراق لذمي خمرا، أو قتل له خنزيرا شيئا، وهذا على مذهب الشافعي .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: وقياس قول من كره تعشير الخمر والخنازير أن يكره أخذها في الجزية، ويشبه أن يكون قياس قول من رأى للعشارين أن يعشروا الخمر عليهم ويأخذ عشرها - الخمر - في الجزية، ولا معنى لتفريق من فرق بين الخمر والخنازير فقال: يعشر الخمر ولا يعشر الخنازير; لأن الخمر قد كان في الأصل قبل أن يكون خمرا حلالا، لأنه كان عنبا وعصيرا، ثم لعله أن يعود خلا، والخنزير لم يكن حلالا قط، وهذه غفلة من قائلها، وذلك أن الخمر في الحال التي هي محرمة ضد الحلال، فالحال التي هي عليها أولى بها من حالة كانت. ويلزم قائل هذا القول، والمعتل بهذه العلة، أن يجيز بيعها وشرائها، فإذا أبى ذلك في البيع ونظر إلى الحالة التي هي عليها، وامتنع من بيعها; لأنها محرمة في وقت البيع والشراء، وجب أن يمتنع أن يعشر الخمر من حيث امتنع من بيعها وشرائها .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية