الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر اختلاف أهل العلم في هذا الباب

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في الأسارى، فقالت طائفة: الإمام بالخيار إن شاء من عليهم، وإن شاء قتلهم، وإن شاء فادى بهم، وإن شاء من على [ ص: 234 ] بعضهم، وقتل بعضهم، وفادى بعضهم، ولا ينبغي له أن يقتلهم إلا على النظر للمسلمين من تقوية دين الله وتوهين عدوه وغيظهم، وقتلهم بكل حال مباح، هذا قول الشافعي، وبه قال أبو ثور، وهو مذهب أحمد بن حنبل .

                                                                                                                                                                              وقال مالك في الرجال البالغين: ذلك إن شاء قتلهم وإن شاء فادى بهم أسراء المسلمين .

                                                                                                                                                                              وقال الأوزاعي في الأسير: يقتله إن شاء، وإن شاء عرض عليه الإسلام، فإن أسلم فهو عبد للمسلمين، وإن شاء من عليه، وإن شاء فادى به أسراء المسلمين .

                                                                                                                                                                              وكان سفيان الثوري، وأبو عبيد يقولان: الإمام مخير في أسراء المشركين إن شاء قتلهم، وإن شاء فادى بهم، وإن شاء من عليهم، وإن شاء استرقهم .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي في الرجال البالغين: إن شاء أن يعرض عليهم الإسلام فعل، وإن لم يعرض فلا بأس، فإن شاء ضرب أعناقهم، وإن رأى أن يمن عليهم ويصيرهم فيئا يقسم بين المسلمين فعل، وينبغي للإمام أن ينظر أي ذلك خير للمسلمين، فإن كان قتلهم خيرا للمسلمين وأنكى للعدو قتلهم، وإن رأى أن يصيرهم فيئا ويقسم بين المسلمين، ورأى ذلك خيرا فعل، وإن رأى قتلهم فلا يقتل شيخا [ ص: 235 ] كبيرا، ولا مقعدا، ولا أعمى، ولا مصابا، ولا زمنا، ولا امرأة، ولا صبيا، (ويكونون) فيئا للمسلمين على كل حال أسلموا أو لم يسلموا، ويقسمون مع الغنيمة .

                                                                                                                                                                              6222 - حدثنا علي بن عبد العزيز، عن أبي عبيد، حدثنا عبد الله بن صالح، عن معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، في قول الله - جل ذكره - : ( ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض ) ، قال: ذلك يوم بدر والمسلمون يومئذ قليل، فلما كثروا واشتد سلطانهم، أنزل الله بعد هذا في الأسارى: ( فإما منا بعد وإما فداء ) ، فجعل الله النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين في الأسارى بالخيار، إن شاؤوا قتلوهم، وإن شاؤوا استعبدوهم، وإن شاؤوا (فادوا بهم) ، ثم أبو عبيد بعد في استعبدوهم . [ ص: 236 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية