الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر الجعائل في الغزو

                                                                                                                                                                              واختلفوا فيمن يغزو ليأخذ جعلا، فرخصت طائفة فيه، وقال بعضهم: تركها أفضل.

                                                                                                                                                                              6156 - حدثنا إسحاق، عن عبد الرزاق، عن الثوري، عن الزبير بن عدي، عن شقيق بن العيزار الأسدي، قال: سألت ابن عمر عن الجعائل؟ فقال: لم يكن، لا أرتشي إلا ما رشاني الله. قال: وسألت ابن الزبير؟، فقال: تركها أفضل، وإن أخذتها فأنفقها في سبيل الله .

                                                                                                                                                                              6157 - حدثنا إسحاق، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن ابن عمر قال: كان القاعد يمنح الغازي، فأما أن يبيع الرجل غزوه، فلا أدري ما هو؟ .

                                                                                                                                                                              وقال الزهري : إذا أخذه الرجل بنية يتقوى به فلا بأس، وكان مسروق يجعل على نفسه إذا خرج البعث .

                                                                                                                                                                              وقال مالك : كان يجعل القاعد للخارج، وقال مرة: أهل المدينة كانوا يفعلون ذلك . [ ص: 178 ]

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي: لا بأس أن يجتعل الرجل إذا كان محتاجا، فيخرج غازيا في سبيل الله، ولا بأس إذا أحس الموسر من نفسه جبنا أن يجعل لرجل جعلا فيغزو في سبيل الله، وكرهت طائفة ذلك، روينا عن ابن عمر رواية أخرى، أنه كره ذلك .

                                                                                                                                                                              6158 - حدثنا علي بن عبد العزيز، قال: حدثنا حجاج، حدثنا حماد، حدثنا أيوب، ويونس، وهشام، وحميد، عن محمد بن سيرين; أن ابن عمر، سئل عن الجعائل في العطاء، يجعل الرجل للرجل الجعل ليغزو عنه; فكرهه. قال: أرى الغازي يبيع غزوه، وأرى هذا يفر من غزوه .

                                                                                                                                                                              وروينا عن علقمة أنه سأل شريحا عن الجعل؟ فقال: يأخذ كثيرا، ويعطي أقل من ذلك، يجعله للرجل قال: أفيريبك؟ قال: نعم. قال: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك .

                                                                                                                                                                              وكان الشافعي يقول: ولا يجوز أن يغزو بجعل من مال رجل، وإن غزا به فعليه أن يرجع ويرد الجعل، وإنما أجزت له هذا من السلطان، أنه يغزو بشيء من حقه، وليس للسلطان حبسه في حال قلت فيها علة الرجوع إلا في حال الاستجعال، أو في حال ثانية، (أن) يكون يخاف برجوعه، ورجوع من هو في حاله أن يكثروا، أن يصيب المسلمين خلة لخروجهم يعظم الخوف فيها عليهم، فيكون له حبسهم في هذه الحال، ولا يكون [ ص: 179 ] لهم الرجوع عليها، فإذا زالت تلك الحال، فعليهم أن يرجعوا، وعلى السلطان أن يخليهم .

                                                                                                                                                                              وقد روينا عن ابن عباس في هذا الباب قولا ثالثا .

                                                                                                                                                                              6159 - حدثنا علي بن عبد العزيز، حدثنا أبو نعيم، حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن عبيد الله بن الأعجم، قال: قلت لابن عباس : إنه يخرج علينا البعث في الجعائل، فيخرج أربعة عن واحد؟ فقال: إن كان في كراع، أو سلاح، فلا بأس، وإن جعلها في عبد، أو أمة، أو غنم، فهو غير طائل .

                                                                                                                                                                              6160 - أخبرنا محمد بن عبد الله، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني الليث بن سعد، أن يعمر بن خالد المدلجي، حدثه، عن عبد الرحمن بن وعلة الشيباني، قال: قلت لعبد الله بن عمر : إنا نتجاعل، في الغزو، فكيف ترى؟ فقال عبد الله بن عمر : إذا أحدكم أجمع على الغزو، فعرضه الله رزقا فلا بأس بذلك، وأما أن أحدكم إن أعطي درهما غزا، وإن منع درهما مكث، فلا خير في ذلك . [ ص: 180 ]

                                                                                                                                                                              وقد حكي عن الأوزاعي أنه قيل له: العطاء يقدم لمدة معلومة، فيتنافس القوم فيه، ويتجاعلون؟ قال: إذا كانت نية الغازي على الغزو، فلا أرى بأسا، وقد روينا عن النخعي أنه قال: كانوا يكرهون أن يأخذوا الجعائل، ولا يرون بإعطائه بأسا .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: ولعل من حجة من كره ذلك، حديث روي عن عبادة بن الصامت لا نحسبه ثابتا .

                                                                                                                                                                              6161 - حدثنا علي بن عبد العزيز، قال: حدثنا حجاج، حدثنا حماد، حدثنا جبلة بن عطية، عن [يحيى] بن الوليد بن عبادة بن الصامت، عن عبادة بن الصامت، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من غزا في سبيل الله، وهو لا ينوي في غزاته إلا عقالا، فله ما نوى" .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: وقد يجوز أن يحتج في هذا الباب بأصح من ذلك حديث أنس بن مالك .

                                                                                                                                                                              6162 - حدثنا علي بن عبد العزيز، قال: حدثنا حجاج بن منهال، حدثنا حماد، عن ثابت، عن أنس، أن فتى من أسلم أتى النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 181 ] فقال: يا رسول الله إني أريد الجهاد، وليس عندي ما أتجهز به، فقال: " ائت [فلانا] الأنصاري، فإنه قد كان تجهز فمرض، فقل له: إن رسول الله يقرئك السلام، ويقول لك: ادفع إلي ما تجهزت به "، فأتاه، فقال له ذلك، فقال: يا فلانة، ادفعي إليه ما جهزتيني به، ولا تحبسي منه شيئا، فوالله لا تحبسي منه شيئا، فيبارك لك فيه .

                                                                                                                                                                              6163 - حدثنا علي، حدثنا حجاج، حدثنا حماد، أخبرنا عاصم بن بهدلة، عن أبي وائل، عن أبي موسى، أن شيخا، أتى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يتوكأ على عصا له، فقال: يا رسول الله! ما الجهاد في سبيل الله، فإن الرجل يجاهد ليذكر، ويجاهد ليغنم، ويجاهد لكذا وكذا؟، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من جاهد لتكون كلمة الله العليا، فهو في سبيل الله" .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية