الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر خبر دل على أن الأرض

                                                                                                                                                                              إذا أخذت عنوة وتركها أهلها أن للإمام أن يضع عليها الخراج

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: قد ذكرت ما حضرني من اختلاف أهل العلم في أرض السواد، وكل أرض افتتحت عنوة فسبيلها إذا تركها أهلها لمن بعدهم، أو تركها الإمام على ما يجوز أن يتركها لمن بعدهم كسبيل أرض السواد، وذلك كالأغلب من أرض مصر وكثير من أراضي الشام أن [ ص: 42 ] للإمام أن يضع عليها الخراج ويقبض ذلك ويصرفه في مصالح المسلمين وبينهم .

                                                                                                                                                                              6036 - أخبرنا علي بن عبد العزيز، حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا زهير بن معاوية، قال: حدثنا سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: منعت العراق قفيزها ودرهمها، ومنعت الشام مدها ودينارها، ومنعت مصر إردبها ودينارها، ثم عدتم من حيث بدأتم" - قالها زهير ثلاث مرات - شهد على ذلك لحم أبي هريرة ودمه .

                                                                                                                                                                              وقال أبو عبيد بعد أن ذكر هذا الحديث: معناه، والله أعلم أن ذلك كائن، فإنه سيمنع في آخر الزمان، فاسمع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدرهم والقفيز، كما فعل عمر بن الخطاب بالسواد، وفي تأويل عمر أيضا حين وضع الخراج، ووظفه على أهله من العلم، أنه جعله شاملا عاما على من كان لزمته المساحة وصارت الأرض في يده، من رجل، أو امرأة، أو صبي، أو مكاتب، أو عبد، فصاروا متساوين فيها ألا تراه لم يستثن أحدا دون أحد، ومما يبين ذلك قول عمر لدهقانة نهر الملك حين أسلمت فقال: دعوها في أرضها تؤدي عنها الخراج، فأوجب عليها ما أوجب على الرجال .

                                                                                                                                                                              وفي تأويل حديث عمر من العلم أيضا أنه إنما جعل الخراج على الأرضين التي تغل: من ذوات الحب والثمار، التي تصلح للغلة من [ ص: 43 ] العامر والغامر، وعطل من ذلك المساكن والدور التي في منازلهم، فلم يجعل عليهم فيها شيئا.

                                                                                                                                                                              ويقال: إن حد السواد التي وقعت عليه المساحة من لدن تخوم الموصل، مارا مع الماء إلى ساحل البحر، ببلاد عبادان من شرقي دجلة هذا طوله، وأما عرضه فحده منقطع الجبل من أرض حلوان إلى منتهى طرف القادسية المتصل بالعذيب من أرض العرب، فهذا حد السواد وعليه وقع الخراج.

                                                                                                                                                                              وروي عن ( الحسن) بن صالح أنه قال: أرض الخراج ما وقعت عليه المساحة.

                                                                                                                                                                              وكان أبو حنيفة يقول: "كل أرض بلغها ماء الخراج" .

                                                                                                                                                                              6037 - حدثنا إبراهيم بن عبد الله قال: أخبرنا روح بن عبادة قال: حدثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن لاحق بن حميد قال: لما بعث عمر بن الخطاب عمار بن ياسر على الصلاة وعلى الجيوش، وبعث ابن مسعود على القضاء وعلى بيت مالهم، وبعث عثمان بن حنيف على مساجد الأرضين، وجعل بينهم كل يوم شاة، شطرها وسواقطها لعمار بن ياسر، والنصف بين هذين، قال سعيد: ولا أحفظ الطعام، ثم قال: أنزلتكم وإياي من هذا المال بمنزلة مال اليتيم، من كان غنيا فليستعفف، ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف، وما أرى قرية يؤخذ [منها] كل يوم شاة إلا كان ذلك سريعا في خرابها، قال: [ ص: 44 ] فوضع عثمان بن حنيف على جريب الكرم عشرة دراهم، وعلى جريب النخل ثمانية دراهم، وعلى جريب القصب ستة دراهم، وعلى جريب البر أربعة دراهم، وعلى جريب الشعر درهمين، وعلى رؤوسهم على كل رجل أربعة وعشرون، وعطل من ذلك النساء والصبيان، وفيما تختلف به من تجاراتهم نصف العشر، قال: ثم كتب بذلك إلى عمر فأجاز ذلك ورضي به .

                                                                                                                                                                              6038 - حدثنا علي، عن أبي عبيد قال: حدثنا أبو معاوية، عن الشيباني، عن محمد بن [عبيد] الله الثقفي قال: وضع عمر على أهل السواد على كل جريب عامر - أو غامر - درهما وقفيزا، وعلى جريب الرطبة خمسة دراهم وخمسة أقفزة، وعلى جريب الشجر عشرة دراهم وعشرة أقفزة، وعلى جريب الكرم عشرة دراهم وعشرة أقفزة - قال: ولم يذكر النخل .

                                                                                                                                                                              6039 - حدثنا علي، عن أبي عبيد قال: حدثنا إسماعيل بن مجالد ابن سعيد، عن أبيه مجالد بن سعيد، عن الشعبي أن عمر بعث عثمان بن حنيف فمسح السواد، فوجده ستة وثلاثين ألف ألف جريب، فوضع [ ص: 45 ] على كل جريب درهما وقفيزا .

                                                                                                                                                                              وقال أحمد : صاحب أرض الخراج إنما عليه في كل جريب من البر والشعير قفيز ودرهم، وقال عبد الله بن الحسن: المساحة في أرض الخراج حق قد فعله عمر. [ ص: 46 ] [ ص: 47 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية