الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر فتح مكة واختلاف الناس فيه

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة .

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة: دخلها عنوة، كذلك قال الأوزاعي قال: فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عنوة فخلى بين المهاجرين وأراضيهم ودورهم بمكة ولم يجعلها فيئا، وقالت طائفة: لم يدخلها رسول الله صلى الله عليه وسلم عنوة، وإنما دخلها صلحا، وقد سبق لهم أمان والذين قاتلوا وأذن في قتلهم بمكة بنو نفاثة قتلة خزاعة وليس لهم بمكة دار ولا مال، إنما هم قوم هربوا إليها، فأي شيء يغنم ممن لا مال له، وأما غيرهم ممن دفع خالد بن الوليد ، فادعوا أن خالد بن الوليد بدأهم بالقتال، ولم ينفذ لهم أمانا، وادعى خالد أنهم بدؤوه ثم أسلموا قبل أن يظهر لهم على شيء ومن لم يسلم صار إلى قبول الأمان بإلقاء السلاح ودخول داره، وقد تقدم من رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من دخل داره فهو آمن، ومن ألقى السلاح فهو آمن". فمال من يغنم مال من له أمان لا غنيمة على مال هذا وما يقتدى به فيما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بما صنع. هذا قول الشافعي .

                                                                                                                                                                              وقال يعقوب : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عفا عن مكة وأهلها وقال: "من أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن، ومن [ ص: 378 ] دخل دار أبي سفيان فهو آمن"، ونهى عن القتل إلا نفرا قد سماهم إلا أن يقاتل أحد فيقاتل، وقال لهم حين اجتمعوا في المسجد: "ما ترون أني صانع بكم" (قالوا) : خيرا، أخ كريم وابن أخ كريم قال "اذهبوا فأنتم الطلقاء" ولم يجعل منها فيئا قليلا ولا كثيرا، لا دارا، ولا أرضا، ولا مالا، ولا متاعا، ولم يسب من أهلها أحد وكان أبو عبيد يقول: صحت الأخبار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم افتتح مكة ومن على أهلها فردها عليهم ولم يقسمها ولم يجعلها فيئا فرأى بعض الناس أن هذا الفعل جائز للأئمة بعده، ولا نرى مكة يشبهها شيء من البلاد من جهتين: إحداهما: أن رسول الله كان الله قد خصه من الأنفال والغنائم مالم يجعله لغيره، وذلك لقوله: ( يسألونك عن الأنفال ) الآية فنرى أن هذا كان خالصا له .

                                                                                                                                                                              والجهة الأخرى: أنه سن بمكة سننا ليس لشيء من سائر البلاد، وذكر حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "هي مناخ من سبق" وأخبار رويت في كراهية أجور بيوت مكة .

                                                                                                                                                                              قال أبو عبيد - بعد ذكر تلك الأخبار - فإذا كانت مكة هذه سبيلها أنها مناخ من سبق ولا تباع رباعها، ولا يطيب كراء بيوتها، وأنها مسجد لجماعة المسلمين فكيف تكون هذه غنيمة . [ ص: 379 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية