الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (121) قوله تعالى: الذين آتيناهم : رفع بالابتداء، وفي خبره قولان، أحدهما: "يتلونه" ، وتكون الجملة من قوله "أولئك يؤمنون": إما مستأنفة وهو الصحيح، وإما حالا على قول ضعيف تقدم مثله أول السورة. والثاني: أن الخبر هو الجملة من قوله: "أولئك يؤمنون" ويكون "يتلونه" في محل نصب على الحال: إما من المفعول في "آتيناهم" وإما من الكتاب، وعلى كلا القولين فهي حال مقدرة، لأن وقت الإيتاء لم يكونوا تالين، ولا كان الكتاب متلوا. وجوز الحوفي أن يكون "يتلونه" خبرا، و "أولئك يؤمنون" خبرا بعد خبر، قال: "مثل قولهم: "هذا حلو حامض" كأنه يريد جعل الخبرين في معنى خبر واحد، هذا إن أريد بـ "الذين" قوم مخصوصون، وإن أريد بهم العموم كان "أولئك يؤمنون" الخبر. قال جماعة - منهم ابن عطية وغيره - "ويتلونه" حال لا يستغنى عنها وفيها الفائدة". وقال أيضا أبو البقاء: "ولا يجوز أن يكون "يتلونه" خبرا لئلا يلزم منه أن كل مؤمن يتلو الكتاب حق [ ص: 95 ] تلاوته بأي تفسير فسرت التلاوة". قال الشيخ: "ونقول ما لزم من الامتناع من جعلها خبرا يلزم في جعلها حالا لأنه ليس كل مؤمن على حال التلاوة بأي تفسير فسرت التلاوة".

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "حق تلاوته" فيه ثلاثة أوجه، أحدها: أنه نصب على المصدر وأصله: "تلاوة حقا" ثم قدم الوصف وأضيف إلى المصدر، وصار نظير: "ضربت شديد الضرب" أي: ضربا شديدا. فلما قدم وصف المصدر نصب نصبه. الثاني: أنه حال من فاعل "يتلونه" أي: يتلونه محقين، الثالث: أنه نعت مصدر محذوف. وقال ابن عطية: "و "حق" مصدر والعامل فيه فعل مضمر وهو بمعنى أفعل، ولا تجوز إضافته إلى واحد معرف، إنما جازت هنا لأن تعرف التلاوة بإضافتها إلى الضمير ليس بتعرف محض، وإنما هو بمنزلة قولهم: رجل واحد أمه ونسيج وحده" يعني أنه في قوة أفعل التفضيل بمعنى أحق التلاوة، وكأنه يرى أن إضافة أفعل غير محضة، ولا حاجة إلى تقدير عامل فيه لأن ما قبله يطلبه.

                                                                                                                                                                                                                                      والضمير في "به" فيه أربعة أقوال، أحدها - وهو الظاهر -: عوده على الكتاب. الثاني: عوده على الرسول، قالوا: "ولم يجر له ذكر لكنه معلوم" ولا حاجة إلى هذا الاعتذار فإنه مذكور في قوله: "أرسلناك"، إلا أن فيه التفاتا من خطاب إلى غيبة. الثالث: أنه يعود على الله تعالى، وفيه التفات أيضا من ضمير المتكلم المعظم نفسه في قوله: "أرسلناك" إلى [ ص: 96 ] الغيبة. الرابع: قال ابن عطية: "إنه يعود على "الهدى" وقرره بكلام حسن.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات" العامل في "إذ" قال. . . العامل فيه "اذكر" مقدرا، وهو مفعول، وقد تقدم أنه لا يتصرف. فالأولى ما ذكرته أولا، وقدره. . . كان كيت وكيت، فجعله ظرفا، ولكن عامله مقدر. و "ابتلى" وما بعده في محل خفض بإضافة الظرف إليه. وأصل ابتلى: ابتلو، فألفه عن واو، لأنه من بلا يبلو أي: اختبر. و "إبراهيم" مفعول مقدم، وهو واجب التقديم عند جمهور النحاة; لأنه متى اتصل بالفاعل ضمير يعود على المفعول وجب تقديمه لئلا يعود الضمير على متأخر لفظا ورتبة. هذا هو المشهور، وما جاء على خلافه عدوه ضرورة. وخالف أبو الفتح وقال: "إن الفعل كما يطلب الفاعل يطلب المفعول فصار للفظ به شعور وطلب" وقد أنشد ابن مالك أبياتا كثيرة تأخر فيها المفعول المتصل ضميره بالفاعل، منها:


                                                                                                                                                                                                                                      706 - لما عصى أصحابه مصعبا أدى إليه الكيل صاعا بصاع



                                                                                                                                                                                                                                      ومنها:


                                                                                                                                                                                                                                      707 - جزى بنوه أبا الغيلان عن كبر     وحسن فعل كما يجزى سنمار



                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 97 ] وقال ابن عطية: "وقدم المفعول للاهتمام بمن وقع الابتلاء [به] ، إذ معلوم أن الله هو المبتلي، واتصال ضمير المفعول بالفاعل موجب للتقديم" يعني أن الموجب للتقديم سببان: سبب معنوي وسبب صناعي.

                                                                                                                                                                                                                                      و "إبراهيم" علم أعجمي، قيل: معناه قبل النقل: أب رحيم، وفيه لغات تسع، أشهرها: إبراهيم بألف وياء، وإبراهام بألفين، وبها قرأ هشام وابن ذكوان في أحد وجهيه في البقرة، وانفرد هشام بها في ثلاثة مواضع من آخر النساء وموضعين في آخر براءة وموضع في آخر الأنعام وآخر العنكبوت، وفي النجم والشورى والذاريات والحديد والأول من الممتحنة، وفي إبراهيم وفي النحل موضعين وفي مريم ثلاثة، فهذه ثلاثة وثلاثون موضعا منها خمسة عشر في البقرة وثمانية عشر في السور المذكورة. وروي عن ابن عامر قراءة جميع ما في القرآن كذلك. ويروى أنه قيل لمالك بن أنس: إن أهل الشام يقرؤون ستة وثلاثين موضعا: إبراهام بالألف، فقال: أهل دمشق بأكل البطيخ أبصر منهم بالقراءة. فقيل: إنهم يدعون أنها قراءة عثمان، فقال: هذا مصحف عثمان فأخرجه فوجده كما نقل له. الثالثة: إبراهم بألف بعد الراء وكسر الهاء دون ياء، وبها قرأ أبو بكر، وقال زيد بن عمرو بن نفيل:


                                                                                                                                                                                                                                      708 - عذت بما عاذ به إبراهم     إذ قال وجهي لك عان راغم



                                                                                                                                                                                                                                      الرابعة: كذلك، إلا أنه بفتح الهاء. الخامسة: كذلك إلا أنه بضمها. [ ص: 98 ] السادسة: إبرهم بفتح الهاء من غير ألف وياء، قال عبد المطلب:


                                                                                                                                                                                                                                      709 - نحن آل الله في كعبته     لم نزل ذاك على عهد إبرهم



                                                                                                                                                                                                                                      السابعة: إبراهوم بالواو. قال أبو البقاء: "ويجمع على أباره عند قوم وعند آخرين براهم. وقيل: أبارهة وبراهمة، ويجوز أبارهة" وقال المبرد: "لا يقال: براهمة فإن الهمزة لا يجوز حذفها". وحكى ثعلب في جمعه: براه، كما يقال في تصغيره: "بريه" بحذف الزوائد.

                                                                                                                                                                                                                                      والجمهور على نصب "إبراهيم" ورفع "ربه" كما تقدم، وقرأ ابن عباس وأبو الشعثاء وأبو حنيفة بالعكس. قالوا: وتأويلها دعا ربه، فسمى دعاءه ابتلاء مجازا لأن في الدعاء طلب استكشاف لما تجري به المقادير. والضمير المرفوع في "فأتمهن" فيه قولان: أحدهما أنه عائد على "ربه" أي: فأكملهن. والثاني: أنه عائد على إبراهيم أي: عمل بهن ووفى بهن.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "قال إني" هذه الجملة القولية يجوز أن تكون معطوفة على ما قبلها، إذا قلنا بأنها عاملة في "إذ" لأن التقدير: وقال إني جاعلك إذ ابتلى، ويجوز أن تكون استئنافا إذا قلنا: إن العامل في "إذ" مضمر، كأنه قيل: فماذا قال له ربه حين أتم الكلمات؟ فقيل: قال: إني جاعلك. ويجوز فيها أيضا على هذا القول أن تكون بيانا لقوله: "ابتلى" وتفسيرا له، فيراد بالكلمات [ ص: 99 ] ما ذكره من الإمامة وتطهير البيت ورفع القواعد وما بعدها، نقل ذلك الزمخشري.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "جاعلك" هو اسم فاعل من "جعل" بمعنى صير فيتعدى لاثنين أحدهما: الكاف وفيها الخلاف المشهور: هل هي في محل نصب أو جر؟ وذلك أن الضمير المتصل باسم الفاعل فيه ثلاثة أقوال، أحدها: أنه في محل جر بالإضافة. والثاني: أنه في محل نصب، وإنما حذف التنوين لشدة اتصال الضمير، قالوا: ويدل على ذلك وجوده في الضرورة كقوله:


                                                                                                                                                                                                                                      710 - فما أدري وظني كل ظن     أمسلمني إلى قومي شراحي



                                                                                                                                                                                                                                      وقال آخر:


                                                                                                                                                                                                                                      711 - هم الفاعلون الخير والآمرونه      . . . . . . . . . .



                                                                                                                                                                                                                                      وهذا على تسليم كون نون "مسلمني" تنوينا، وإلا فالصحيح أنها نون وقاية. الثالث - وهو مذهب سيبويه - أن حكم الضمير حكم مظهره فما جاز في المظهر يجوز في مضمره. والمفعول الثاني إماما.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "للناس" يجوز فيه وجهان، أحدهما: أنه متعلق بجاعل أي لأجل الناس. والثاني: أنه حال من "إماما" فإنه صفة نكرة قدم عليها. فيكون حالا منها، إذ الأصل: إماما للناس، فعلى هذا يتعلق بمحذوف. والإمام: [ ص: 100 ] اسم ما يؤتم به أي يقصد ويتبع كالإزار اسم ما يؤتزر به، ومنه قيل لخيط البناء: "إمام"، ويكون في غير هذا جمعا لآم اسم فاعل من أم يؤم نحو: قائم وقيام: ونائم ونيام وجائع وجياع.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "ومن ذريتي" فيه ثلاثة أقوال، أحدها، أن "من ذريتي" صفة لموصوف محذوف هو مفعول أول، والمفعول الثاني والعامل فيهما محذوف تقديره: "قال واجعل فريقا من ذريتي إماما" قاله أبو البقاء. الثاني: أن "ومن ذريتي" عطف على الكاف، كأنه قال: "وجاعل بعض ذريتي" كما يقال لك: سأكرمك، فتقول: وزيدا. قال الشيخ: "لا يصح العطف على الكاف لأنها مجرورة، فالعطف عليها لا يكون إلا بإعادة الجار، ولم يعد، ولأن "من" لا يمكن تقدير إضافة الجار إليها لكونها حرفا، وتقديرها مرادفة لبعض حتى تصح الإضافة إليها لا يصح، ولا يصح أن يقدر العطف من باب العطف على موضع الكاف لأنه نصب فتجعل "من" في موضع نصب لأنه ليس مما يعطف فيه على الموضع في مذهب سيبويه لفوات المحرز، وليس نظير ما ذكر لأن الكاف في "سأكرمك" في موضع نصب. الثالث: قال الشيخ: "والذي يقتضيه المعنى أن يكون "من ذريتي" متعلقا بمحذوف، التقدير: واجعل من ذريتي إماما لأن "إبراهيم" فهم من قوله: "إني جاعلك للناس إماما الاختصاص، فسأل أن يجعل من ذريته إماما" فإن أراد الشيخ التعلق الصناعي فيتعدى "جاعل" لواحد، فهذا ليس بظاهر، وإن أراد التعلق المعنوي فيجوز أن يريد ما يريده أبو البقاء. ويجوز أن يكون "من ذريتي" مفعولا ثانيا قدم على الأول فيتعلق بمحذوف، وجاز ذلك لأنه ينعقد من هذين الجزأين مبتدأ وخبر. [ ص: 101 ] لو قلت: "من ذريتي إمام" لصح. وقال ابن عطية: "وقيل هذا منه على جهة الاستفهام عنهم أي: ومن ذريتي يا رب ماذا يكون؟ فيتعلق على هذا بمحذوف، ولو قدره قبل "من ذريتي" لكان أولى لأن ما في حيز الاستفهام لا يتقدم عليه.

                                                                                                                                                                                                                                      وفي اشتقاق "ذرية" وتصريفها كلام طويل يحتاج الناظر فيه إلى تأمل.

                                                                                                                                                                                                                                      اعلم أن في "ذرية" ثلاث لغات: ضم الذال وكسرها وفتحها، وبالضم قرأ الجمهور، وبالفتح قرأ أبو جعفر المدني، وبالكسر قرأ زيد بن ثابت. فأما اشتقاقها ففيه أربعة مذاهب، أحدها: أنها مشتقة من ذروت، الثاني: من ذريت، الثالث: من ذرأ الله الخلق، الرابع: من الذر. وأما تصريفها: فذرية بالضم إن كانت من ذروت فيجوز فيها أن يكون وزنها فعولة، والأصل: ذرووة فاجتمع واوان: الأولى زائدة للمد والثانية لام الكلمة، فقلبت لام الكلمة ياء تخفيفا فصار اللفظ ذروية، فاجتمع ياء وواو، وسبقت إحداهما بالسكون، فقلبت الواو ياء وأدغمت في الياء التي هي منقلبة من لام الكلمة، وكسر ما قبل الياء وهي الراء للتجانس. ويجوز أن يكون وزنها فعيلة، والأصل: ذريوة، فاجتمع ياء المد والواو التي هي لام الكلمة وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت فيها ياء المد. وإن كانت من ذريت لغة في ذروت فيجوز فيها أيضا أن يكون وزنها فعولة أو فعيلة كما تقدم، وإن كانت فعولة فالأصل ذروية ففعل به ما تقدم من القلب والإدغام، وإن كانت فعيلة فالأصل: ذريية، فأدغمت الياء الزائدة في الياء التي [هي] لام. وإن كانت من ذرأ [ ص: 102 ] مهموزا فوزنها فعيلة والأصل: ذريئة فخففت الهمزة بأن أبدلت ياء كهمزة خطيئة والنسيء، ثم أدغمت الياء الزائدة في الياء المبدلة من الهمزة.

                                                                                                                                                                                                                                      وإن كانت من الذر فيجوز في وزنها أربعة أوجه، أحدها: فعلية وتحتمل هذه الياء أن تكون للنسب وغيروا الذال من الفتح إلى الضم كما قالوا في النسب إلى الدهر: دهري وإلى السهل: سهلي بضم الدال والسين، وأن تكون لغير النسب فتكون كقمرية. الثاني: أن يكون: فعيلة كمريقة، والأصل: ذريرة، فقلبت الراء الأخيرة ياء لتوالي الأمثال، كما قالوا تسريت وتظنيت في تسررت وتظننت. الثالث: أن تكون فعولة كقدوس وسبوح، والأصل: ذرورة، فقلبت الراء ياء لما تقدم، فصار ذروية، فاجتمع واو وياء، فجاء القلب والإدغام كما تقدم. الرابع: أن تكون فعلولة والأصل: ذرورة، ففعل بها ما تقدم في الوجه الذي قبله.

                                                                                                                                                                                                                                      وأما ذرية بكسر الذال فإن كانت من ذروت فوزنها فعيلة، والأصل: ذريوة، فأبدلت الواو ياء وأدغمت في الياء بعدها، فإن كانت من ذريت فوزنها فعيلة أيضا، وإن كانت من ذرأ فوزنها فعيلة أيضا كبطيخة، والأصل ذريئة ففعل فيها ما تقدم في المضمومة الدال، وإن كانت من الذر فتحتمل ثلاثة أوجه، أحدها: أن يكون وزنها فعلية نسبة إلى الذر على غير قياس في المضمومة. الثاني: أن تكون فعيلة، الثالث: أن تكون فعليلة كحلتيت والأصل فيها: ذريرة ففعل فيهما ما تقدم من إبدال الراء الأخيرة ياء والإدغام فيها.

                                                                                                                                                                                                                                      وأما "ذرية" بفتح الذال: فإن كانت من ذروت أو ذريت فوزنها: فعيلة كسكينة، والأصل: ذريوة أو ذريية، أو فعولة والأصل: ذرووة أو ذروية، [ ص: 103 ] ففعل به ما تقدم في نظيره، وإن كانت من ذرأ فوزنها: إما فعيلة كسكينة والأصل: ذريئة، وإما فعولة كخروبة والأصل: ذروءة ففعل به ما تقدم في نظيره. وإن كانت من الذر ففي وزنها أيضا أربعة أوجه أحدها فعلية، والياء أيضا تحتمل أن تكون للنسب ولم يشذوا فيه بتغيير كما شذوا في الضم والكسر وأن لا يكون نحو: برنية، الثاني: فعولة كخروبة والأصل ذرورة، الثالث: فعيلة كسكينة والأصل: ذريرة، الرابع: فعلولة كبكولة والأصل: ذرورة أيضا ففعل به ما تقدم في نظيره، من إبدال الراء الأخيرة وإدغام ما قبلها فيها وكسرت الذال اتباعا. وبهذا الضبط الذي فعلته اتضح القول في هذه اللفظة لغة واشتقاقا وتصريفا، فإن الناس قد استشكلوا هذه اللفظة بالنسبة لما ذكرت، وغلط أكثرهم في تصريفها بالنسبة إلى الأعمال التي قدمتها والحمد لله.

                                                                                                                                                                                                                                      وأما من بناها على فعلة مثل جفنة فإنها عنده من ذريت. والذرية: النسل يقع على الذكور والإناث والجمع الذراري، وزعم بعضهم أنها تقع على الآباء كوقوعها على الأبناء مستدلا بقوله "وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون" يعني نوحا ومن معه وسيأتي ذلك في موضعه.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "قال لا ينال عهدي الظالمين" الجمهور على نصب "الظالمين" مفعولا و "عهدي" فاعل، أي: لا يصل عهدي إلى الظالمين فيدركهم. وقرأ قتادة والأعمش وأبو رجاء : "والظالمون" بالفاعلية، و "عهدي" [ ص: 104 ] مفعول به، والقراءتان ظاهرتان، إذ الفعل يصح نسبته إلى كل منهما فإن من نالك فقد نلته. والنيل: الإدراك وهو العطاء أيضا، نال ينال نيلا فهو نائل.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية