الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (240) قوله تعالى: والذين يتوفون : فيه ثمانية أوجه، أحدها: أنه مبتدأ، و "وصية" مبتدأ ثان، وسوغ الابتداء بها كونها موصوفة تقديرا، إذ التقدير: "وصية من الله" أو "منهم" على حسب الخلاف فيها: أهي واجبة من الله أو مندوبة للأزواج؟ و "لأزواجهم" خبر المبتدأ الثاني فيتعلق بمحذوف، والمبتدأ الثاني وخبره خبر الأول. وفي هذه الجملة ضمير الأول. وهذه نظير قولهم: "السمن منوان بدرهم" تقديره: منوان منه، وجعل ابن عطية المسوغ للابتداء بها كونها في موضع تخصيص. قال: "كما حسن أن يرتفع: "سلام عليك" و "خير بين يديك" لأنها موضع دعاء" وفيه نظر.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 502 ] والثاني: أن تكون "وصية" مبتدأ، و "لأزواجهم" صفتها، والخبر محذوف، تقديره: فعليهم وصية لأزواجهم، والجملة خبر الأول.

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث: أنها مرفوعة بفعل محذوف تقديره: كتب عليهم وصية، و "لأزواجهم" صفة، والجملة خبر الأول أيضا. ويؤيد هذا قراءة عبد الله: "كتب عليهم وصية" وهذا من تفسير المعنى لا الإعراب، إذ ليس هذا من المواضع التي يضمر فيها الفعل.

                                                                                                                                                                                                                                      الرابع: "أن" الذين "مبتدأ على حذف مضاف من الأول تقديره: ووصية الذين.

                                                                                                                                                                                                                                      والخامس: أنه كذلك إلا أنه على حذف مضاف من الثاني: تقديره: "والذين يتوفون أهل وصية" ذكر هذين الوجهين الزمخشري. قال الشيخ: "ولا ضرورة تدعو إلى ذلك".

                                                                                                                                                                                                                                      وهذه الأوجه الخمسة فيمن رفع "وصية"، وهم ابن كثير ونافع والكسائي وأبو بكر عن عاصم، والباقون ينصبونها، وارتفاع "الذين" على قراءتهم فيه ثلاثة أوجه، أحدها: أنه فاعل فعل محذوف تقديره: وليوص الذين، ويكون نصب "وصية" على المصدر. والثاني: أنه مرفوع بفعل مبني للمفعول يتعدى لاثنين، تقديره: وألزم الذين يتوفون ويكون نصب "وصية" على أنها مفعول ثان لألزم، ذكره الزمخشري. وهو والذي قبله ضعيفان; لأنه ليس من مواضع إضمار الفعل. والثالث: أنه مبتدأ وخبره محذوف، [ ص: 503 ] وهو الناصب لوصية تقديره: والذين يتوفون يوصون وصية، وقدره ابن عطية: "ليوصوا"، و "وصية" منصوبة على المصدر أيضا. وفي حرف عبد الله: "الوصية" رفعا بالابتداء والخبر الجار بعدها، أو مضمر أي: فعليهم الوصية: والجار بعدها حال أو خبر ثان أو بيان.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "متاعا" في نصبه سبعة أوجه، أحدها: أنه منصوب بلفظ "وصية" لأنها مصدر منون، ولا يضر تأنيثها بالتاء لبنائها عليها، فهي كقوله:


                                                                                                                                                                                                                                      1011 - فلولا رجاء النصر منك ورهبة عقابك قد كانوا لنا كالموارد

                                                                                                                                                                                                                                      والأصل: وصية بمتاع، ثم حذف حرف الجر اتساعا، فنصب ما بعده، وهذا إذا لم تجعل "الوصية" منصوبة على المصدر، لأن المصدر المؤكد لا يعمل، وإنما يجيء ذلك حال رفعها أو نصبها على المفعول كما تقدم تفصيله.

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أنه منصوب بفعل: إما من لفظه أي: متعوهن متاعا أي: تمتيعا، أو من غير لفظه أي: جعل الله لهن متاعا. والثالث: أنه صفة لوصية، والرابع: أنه بدل منها. الخامس: أنه منصوب بما نصبها أي: يوصون متاعا، فهو مصدر أيضا على غير الصدر كـ "قعدت جلوسا"، هذا فيمن نصب "وصية". السادس: أنه حال من الموصين: أي ممتعين أو ذوي متاع. السابع: أنه حال من أزواجهم، أي: ممتعات أو ذوات متاع، وهي حال مقدرة إن كانت الوصية من الأزواج.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ أبي: "متاع لأزواجهم" بدل "وصية"، وروي عنه "فمتاع"، ودخول [ ص: 504 ] الفاء في خبر الموصول لشبهه بالشرط، وينتصب "متاعا" في هاتين الروايتين على المصدر بهذا المصدر، فإنه بمعنى التمتيع، نحو: "يعجبني ضرب لك زيدا ضربا شديدا" ونظيره: "فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا" و "إلى الحول" متعلق بـ "متاع" أو بمحذوف على أنه صفة له.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "غير إخراج" في نصبه ستة أوجه، أحدها: أنه نعت لـ "متاعا". الثاني: أنه بدل منه. الثالث: أنه حال من الزوجات أي: غير مخرجات. الرابع: أنه حال من الموصين، أي: غير مخرجين. الخامس: أنه منصوب على المصدر تقديره: لا إخراجا قاله الأخفش. السادس: أنه على حذف حرف الجر، تقديره: من غير إخراج، قاله أبو البقاء، وفيه نظر.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "فيما فعلن في أنفسهن" هذان الجاران يتعلقان بما تعلق به خبر "لا" وهو "عليكم" من الاستقرار، والتقدير: لا جناح مستقر عليكم فيما فعلن في أنفسهن. و "ما" موصولة اسمية والعائد محذوف تقديره: فعلنه. و "من معروف" متعلق بمحذوف لأنه حال من ذلك العائد المحذوف تقديره: فيما فعلنه كائنا من معروف.

                                                                                                                                                                                                                                      وجاء في هذه الآية "من معروف" نكرة مجرورة بـ "من"، وفي الآية قبلها "بالمعروف" معرفا مجرورا بالباء لأن هذه لام العهد، كقولك: "رأيت رجلا فأكرمت الرجل" إلا أن هذه وإن كانت متأخرة في اللفظ فهي مقدمة في التنزيل، ولذلك جعلها العلماء منسوخة بها إلا عند شذوذ. وتقدم نظائر هذه الجمل، فلا حاجة إلى إعادة الكلام فيها.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 505 ]

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية