الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (243) قوله تعالى: ألم تر إلى الذين : هذه همزة الاستفهام دخلت على حرف النفي، فصيرت النفي تقريرا، وكذا كل استفهام دخل على نفي نحو: "ألم نشرح لك صدرك"" أليس الله بكاف عبده" فيمكن أن يكون المخاطب علم بهذه القصة قبل نزول هذه الآية، فيكون التقرير ظاهرا أي: قد رأيت حال هؤلاء، ويمكن أنه لم يعلم بها إلا من هذه الآية، فيكون معنى هذا الكلام التنبيه والتعجب من حال هؤلاء، والمخاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو كل سامع. ويجوز أن يكون المراد بهذا الاستفهام التعجب من حال هؤلاء، وأكثر ما يرد كذلك: "ألم تر إلى الذين تولوا قوما"" ألم تر إلى ربك كيف مد الظل"، وقال الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                      1012 - ألم تر أني كلما جئت طارقا وجدت بها طيبا وإن لم تطيب

                                                                                                                                                                                                                                      والرؤية هنا علمية فكان من حقها أن تتعدى لاثنين، ولكنها ضمنت معنى ما يتعدى بإلى، والمعنى: ألم ينته علمك إلى كذا. وقال الراغب: "رأيت: يتعدى بنفسه دون الجار، لكن لما استعير قولهم: "ألم تر" بمعنى ألم تنظر عدي تعديته، وقلما يستعمل ذلك في غير التقدير، لا يقال: رأيت إلى كذا".

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ السلمي: "تر" بسكون الراء، وفيها وجهان، أحدهما: أنه توهم أن الراء لام الكلمة فسكنها للجزم كقوله:

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 506 ]

                                                                                                                                                                                                                                      1013 - قالت سليمى اشتر لنا سويقا     واشتر فعجل خادما لبيقا

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: هي لغة قوم، لم يكتفوا في الجزم بحذف حرف العلة. والثاني: أنه أجرى الوصل مجرى الوقف، وهذا أولى فإنه كثير في القرآن نحو: "الظنونا" و "الرسولا" و "السبيلا" و "لم يتسنه"" وبهداهم اقتده" وقوله: "ونصله" و "نؤته" و "يؤده"، وسيأتي ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "وهم ألوف" مبتدأ وخبر، وهذه الجملة في [موضع] نصب على الحال، وهذا أحسن مجيئها، إذ قد جمع فيها بين الواو والضمير. و "ألوف" فيه قولان، أظهرهما: أنه جمع "ألف" لهذا العدد الخاص وهو جمع كثرة، وجمع القلة: آلاف كحمول وأحمال. والثاني: أنه جمع "آلف" على فاعل كشاهد وشهود وقاعد وقعود. أي: خرجوا وهم مؤتلفون، قال الزمخشري: "وهذا من بدع التفاسير".

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "حذر الموت" مفعول من أجله، وفيه شروط النصب، أعني المصدرية واتحاد الفاعل والزمان.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 507 ] قوله: "ثم أحياهم" فيه وجهان، أحدهما: أنه معطوف على معنى: فقال لهم الله: موتوا، لأنه أمر في معنى الخبر تقديره: فأماتهم الله ثم أحياهم. والثاني: أنه معطوف على محذوف، تقديره: فماتوا ثم أحياهم، و "ثم" تقتضي تراخي الإحياء عن الإماتة. وألف "أحيا" عن ياء، لأنه من "حيي"، وقد تقدم تصريف هذه المادة عند قوله: "إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا".

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "إن الله لذو فضل" أتى بهذه الجملة مؤكدة بـ "إن" واللام، وأتى بخبر "إن": "ذو" الدالة على الشرف بخلاف "صاحب". و "على الناس" متعلق بفضل. تقول: تفضل فلان علي، أو بمحذوف لأنه صفة له فهو في محل جر، أي: فضل كائن على الناس. وأل في الناس للعموم، وقيل للعهد، والمراد بهم الذين أماتهم.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "ولكن أكثر الناس" هذا استدراك مما تضمنه قوله" إن الله لذو فضل على الناس"، لأن تقديره: فيجب عليهم أن يشكروا لتفضله عليهم بالإيجاد والرزق، ولكن أكثرهم غير شاكر.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية