الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (104) قوله تعالى: لا تقولوا راعنا : الجمهور على "راعنا" أمر من المراعاة، وهي النظر في مصالح الإنسان وتدبر أموره، و "راعنا" يقتضي المشاركة لأن معناه: ليكن منك رعاية لنا وليكن منا رعاية لك، فنهوا عن ذلك لأن فيه مساواتهم به عليه السلام. وقرأ الحسن وأبو حيوة: "راعنا" بالتنوين، ووجهه أنه صفة لمصدر محذوف، أي: قولا راعنا، وهو على طريق النسب كلابن وتامر، والمعنى: لا تقولوا قولا ذا رعونة. والرعونة: الجهل والحمق والهوج، وأصل الرعونة: التفرق، ومنه: "جيش أرعن" أي: متفرق في كل ناحية، ورجل أرعن: أي ليس له عقل مجتمع، وامرأة رعناء، وقيل للبصرة: الرعناء، قال:


                                                                                                                                                                                                                                      766 - لولا ابن عتبة عمرو والرجاء له ما كانت البصرة الرعناء لي وطنا



                                                                                                                                                                                                                                      قيل: سميت بذلك لأنها أشبهت "رعن الجبل" وهو الناتيء منه، وقال ابن فارس: "يقال: رعن الرجل يرعن رعنا" . وقرأ أبي: راعونا، وفي مصحف عبد الله كذلك، خاطبوه بلفظ الجمع تعظيما، وفي مصحف عبد الله أيضا، "ارعونا" لما تقدم. والجملة في محل نصب بالقول، وقدم النهي على الأمر لأنه من باب التروك فهو أسهل.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 52 ] قوله: "انظرنا" الجملة أيضا في محل نصب بالقول، والجمهور على "انظرنا" بوصل الهمزة وضم الظاء أمرا من الثلاثي، وهو نظر من النظرة وهي التأخير، أي: أخرنا وتأن علينا، قال امرؤ القيس


                                                                                                                                                                                                                                      668 - فإنكما إن تنظراني ساعة     من الدهر ينفعني لدى أم جندب



                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: هو من نظر أي: أبصر، ثم اتسع فيه فعدي بنفسه لأنه في الأصل يتعدى بـ "إلى" ، ومنه:


                                                                                                                                                                                                                                      669 - ظاهرات الجمال والحسن ينظر     ن كما ينظر الأراك الظباء



                                                                                                                                                                                                                                      أي: إلى الأراك، وقيل: من نظر أي: تفكر ثم اتسع فيه أيضا فإن أصله أن يتعدى بفي، ولا بد من حذف مضاف على هذا أي: انظر في أمرنا وقرأ أبي والأعمش: "أنظرنا" بفتح الهمزة وكسر الظاء أمرا من الرباعي بمعنى: أمهلنا وأخرنا، قال الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                      670 - أبا هند فلا تعجل علينا     وأنظرنا نخبرك اليقينا



                                                                                                                                                                                                                                      أي: أمهل علينا، وهذا القراءة تؤيد أن الأول من النظرة بمعنى التأخير لا من البصر ولا من البصيرة، وهذه الآية نظير التي في الحديد: "انظرونا نقتبس" فإنها قرئت بالوجهين.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية