الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (223) قوله تعالى: نساؤكم حرث لكم : مبتدأ وخبر. ولا بد من تأويل ليصح الإخبار عن الجثة بالمصدر. فقيل: على المبالغة، جعلوا نفس الفعل. وقيل: أراد بالمصدر اسم المفعول. وقيل: على حذف مضاف من الأول، أي: وطء نسائكم حرث أي: كحرث، وقيل: من الثاني أي: نساؤكم ذوات حرث. و "لكم" في موضع رفع لأنه صفة لحرث، فيتعلق بمحذوف. وإنما أفرد الخبر والمبتدأ جمع لأنه مصدر والأفصح فيه الإفراد والتذكير حينئذ.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "أنى شئتم"" أنى" ظرف مكان، ويستعمل شرطا واستفهاما بمعنى "متى"، فيكون ظرف زمان ويكون بمعنى كيف، وبمعنى من أين، وقد فسرت الآية الكريمة بكل من هذه الوجوه. وقال النحويون: "أنى" لتعميم الأحوال. وقال بعضهم: "إنما تجيء سؤالا وإخبارا عن أمر له جهات، فهي على هذا أعم من "كيف" ومن "أين" ومن "متى". وقالوا: إذا كانت شرطية فهي ظرف مكان فقط. واعلم أنها مبنية لتضمنها: إما معنى حرف الشرط أو الاستفهام، وهي لازمة النصب على الظرفية. والعامل فيها هنا قالوا: الفعل قبلها وهو: "فأتوا" قال الشيخ: "وهذا لا يصح، لأنها: إما شرطية أو استفهامية، لا جائز أن تكون شرطية لوجهين، أحدهما: من جهة المعنى وهو أنها إذا كانت شرطا كانت ظرف مكان كما تقدم، وحينئذ يقتضي الكلام الإباحة في غير القبل وقد ثبت تحريم ذلك. والثاني: من جهة الصناعة. وهو أن اسم الشرط لا يعمل فيه ما قبله، لأن له صدر الكلام، بل يعمل فيه فعل الشرط، [ ص: 424 ] كما أنه عامل في فعل الشرط الجزم. ولا جائز أن تكون استفهاما; لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله لأن له صدر الكلام، ولأن "أنى" إذا كانت استفهامية اكتفت بما بعدها من فعل واسم نحو: "أنى يكون له ولد"" أنى لك هذا" وهذه في هذه الآية مفتقرة لما قبلها كما ترى، وهذا موضع مشكل يحتاج إلى تأمل ونظر.

                                                                                                                                                                                                                                      ثم الذي يظهر أنها هنا شرطية ويكون قد حذف جوابها: لدلالة ما قبله عليه، تقديره: أنى شئتم فأتوه، ويكون قد جعلت الأحوال فيها جعل الظروف، وأجريت مجراها تشبيها للحال بظرف المكان ولذلك تقدر بـ "في"، كما أجريت "كيف" الاستفهامية مجرى الشرط في قوله: "ينفق كيف يشاء" وقالوا: كيف تصنع أصنع، فالمعنى هنا ليس استفهاما بل شرطا، فيكون ثم حذف في قوله: "ينفق كيف يشاء" أي: كيف يشاء ينفق، وهكذا كل موضع يشبهه. وسيأتي له مزيد بيان. فإن قلت: قد أخرجت "أنى" عن الظرفية الحقيقية وجعلتها لتعميم الأحوال مثل كيف، وقلت: إنها مقتضية لجملة أخرى كالشرط، فهل الفعل بعدها في محل جزم اعتبارا بكونها شرطية، أو في محل رفع كما تكون كذلك بعد "كيف" التي تستعمل شرطية؟ قلت: تحتمل الأمرين، والأرجح الأول لثبوت عمل الجزم، لأن غاية ما في الباب تشبيه الأحوال بالظروف للعلاقة المذكورة، وهو تقدير "في" في كل منهما". ولم يجزم بـ "كيف" إلا بعضهم قياسا لا سماعا. ومفعول "شئتم" محذوف أي: شئتم إتيانه بعد أن يكون في المحل المباح.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 425 ] قوله: "وقدموا" مفعوله محذوف أي: نية الولد أو نية الإعفاف وذكر الله أو الخير، كقوله: "وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه". و "لأنفسكم" متعلق بقدموا. واللام تحتمل التعليل والتعدي. والهاء في "ملاقوه" يجوز أن تعود على الله تعالى. ولا بد من حذف مضاف أي: ملاقو جزائه، وأن تعود على مفعول "قدموا" المحذوف، على حذف مضاف أيضا أي: ملاقو جزاء ما قدمتم، وأن تعود على الجزاء الدال عليه مفعول "قدموا" المحذوف.

                                                                                                                                                                                                                                      والضمير في "وبشر" للرسول عليه السلام لجري ذكره في قوله: "يسألونك" قاله أبو البقاء، وفيه نظر لأن ضمير الخطاب والتكلم لا يحتاج أن يقال فيهما تقدم ذكر ما يدل عليهما. ويجوز أن يكون لكل من يصح منه البشارة.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية