الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (227) قوله تعالى: عزموا الطلاق : في نصب "الطلاق" وجهان، أحدهما: أنه على إسقاط الخافض، لأن "عزم" يتعدى بـ "على"، قال:


                                                                                                                                                                                                                                      969 - عزمت على إقامة ذي صباح لأمر ما يسود من يسود

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أن تضمن "عزم" معنى نوى، فينتصب مفعولا به.

                                                                                                                                                                                                                                      والعزم: عقد القلب وتصميمه: عزم يعزم عزما وعزما بالفتحة والضمة، وعزيمة وعزاما بالكسر. ويستعمل بمعنى القسم: عزمت عليك لتفعلن.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 436 ] والطلاق: إحلال العقد، يقال: طلقت بفتح اللام - تطلق فهي طالق وطالقة، قال الأعشى:


                                                                                                                                                                                                                                      970 - أيا جارتا بيني فإنك طالقه      ... ... ... ...



                                                                                                                                                                                                                                      وحكى ثعلب: "طلقت" بالضم، وأنكره الأخفش، والطلاق يجوز أن يكون مصدرا أو اسم مصدر وهو التطليق.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "فإن الله" ظاهره أنه جواب الشرط، وقال الشيخ: "ويظهر أنه محذوف، أي: فليوقعوه. وقرأ عبد الله: "فإن فاؤوا فيهن" وقرأ أبي "فيها"، والضمير للأشهر.

                                                                                                                                                                                                                                      وقراءة الجمهور ظاهرها أن الفيئة والطلاق إنما تكون بعد مضي أربعة الأشهر، إلا أن الزمخشري لما كان يرى بمذهب أبي حنيفة: وهو أن الفيئة في مدة أربعة الأشهر، ويؤيده القراءة المتقدمة احتاج إلى تأويل الآية بما نصه: "فإن قلت: كيف موقع الفاء إذا كانت الفيئة قبل انتهاء مدة التربص؟ قلت: موقع صحيح، لأن قوله: "فإن فاءوا، وإن عزموا" تفصيل لقوله: "للذين يؤلون من نسائهم، والتفصيل يعقب المفصل، كما تقول: "أنا نزيلكم هذا الشهر فإن أحمدتكم أقمت عندكم إلى آخره، وإلا لم أقم إلا ريثما أتحول". قال الشيخ: "وليس بصحيح، لأن ما مثله ليس بنظير الآية، ألا ترى أن المثال [ ص: 437 ] فيه إخبار عن المفصل حاله، وهو قوله: "أنا نزيلكم هذا الشهر"، وما بعد الشرطين مصرح فيه بالجواب الدال على اختلاف متعلق فعل الجزاء، والآية ليست كذلك، لأن الذين يؤلون ليس مخبرا عنهم ولا مسندا إليهم حكم، وإنما المحكوم عليه تربصهم، والمعنى: تربص المؤلين أربعة أشهر مشروع لهم بعد إيلائهم، ثم قال: "فإن فاءوا وإن عزموا" فالظاهر أنه يعقب تربص المدة المشروعة بأسرها، لأن الفيئة تكون فيها، والعزم على الطلاق بعدها، لأنه التقييد المغاير لا يدل عليه اللفظ، وإنما يطابق الآية أن تقول: "للضيف إكرام ثلاثة أيام، فإن أقام فنحن كرماء مؤثرون وإن عزم على الرحيل فله أن يرحل" فالمتبادر إلى الذهن أن الشرطين مقدران بعد إكرامه".

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية