الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (216) كتب عليكم القتال : ببناء "كتب" للفاعل وهو ضمير الله تعالى ونصب "القتال".

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "وهو كره" هذه واو الحال، والجملة بعدها في محل نصب عليها والظاهر أن "هو" عائد على القتال. وقيل: يعود على المصدر المفهوم من كتب، أي: وكتبه وفرضه. وقرأ الجمهور "كره" بضم الكاف، وقرأ السلمي بفتحها. فقيل: هما بمعنى واحد، أي: مصدران كالضعف والضعف، قاله الزجاج وتبعه الزمخشري. وقيل: المضموم اسم مفعول والمفتوح المصدر. وقيل: المفتوح بمعنى الإكراه، قاله الزمخشري في توجيه قراءة السلمي، إلا أن هذا من باب مجيء المصدر على حذف الزوائد وهو لا ينقاس. وقيل: المفتوح ما أكره عليه المرء، والمضموم ما كرهه هو.

                                                                                                                                                                                                                                      فإن كان "الكره" و "الكره" مصدرا فلا بد من تأويل يجوز معه الإخبار به عن "هو"، وذلك التأويل: إما على حذف مضاف، أي: والقتال ذو كره، أو على المبالغة، أو على وقوعه موقع اسم المفعول. وإن قلنا: إن "كرها" [ ص: 387 ] بالضم اسم مفعول فلا يحتاج إلى شيء من ذلك. و "لكم" في محل رفع، لأنه صفة لكره، فيتعلق بمحذوف أي: كره كائن.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "وعسى أن تكرهوا"" عسى" فعل ماض نقل إلى إنشاء الترجي والإشفاق. وهو يرفع الاسم وينصب الخبر، ولا يكون خبرها إلا فعلا مضارعا مقرونا بـ "أن". وقد يجيء اسما صريحا كقوله:


                                                                                                                                                                                                                                      926 - أكثرت في العذل ملحا دائما لا تكثرن إني عسيت صائما

                                                                                                                                                                                                                                      وقالت الزباء: "عسى الغوير أبؤسا" وقد يتجرد خبرها من "أن" كقوله:


                                                                                                                                                                                                                                      927 - عسى فرج يأتي به الله إنه     له كل يوم في خلقته أمر

                                                                                                                                                                                                                                      وقال آخر:


                                                                                                                                                                                                                                      928 - عسى الكرب الذي أمسيت فيه     يكون وراءه فرج قريب

                                                                                                                                                                                                                                      وقال آخر:


                                                                                                                                                                                                                                      929 - فأما كيس فنجا ولكن     عسى يغتر بي حمق لئيم

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 388 ] وتكون تامة إذا أسندت إلى "أن" أو "أن"، لأنهما يسدان مسد اسمها وخبرها، والأصح أنها فعل لا حرف، لاتصال الضمائر البارزة المرفوعة بها، ووزنها "فعل" بفتح العين، ويجوز كسر عينها إذا أسندت لضمير متكلم أو مخاطب أو نون إناث، وهي قراءة نافع، وستأتي: ولا تتصرف بل تلزم المضي. والفرق بين الإشفاق والترجي بها في المعنى: أن الترجي في المحبوبات والإشفاق في المكروهات. و "عسى" من الله تعالى واجبة; لأن الترجي والإشفاق محالان في حقه. وقيل: كل "عسى" في القرآن للتحقيق، يعنون الوقوع، إلا قوله تعالى: "عسى ربه إن طلقكن. الآية"، وهي في هذه الآية ليست ناقصة فتحتاج إلى خبر بل تامة، لأنها أسندت إلى "أن"، وقد تقدم أنها تسد مسد الخبرين بعدها. وزعم الحوفي أن "أن تكرهوا" في محل نصب، ولا يمكن ذلك إلا بتكلف بعيد.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "وهو خير لكم" في هذه الجملة وجهان، أظهرهما: أنها في محل نصب على الحال وإن كانت الحال من النكرة بغير شرط من الشروط المعروفة قليلة. والثاني: أن تكون في محل نصب على أنها صفة لشيئا، وإنما دخلت الواو على الجملة الواقعة لأن صورتها صورة الحال، فكما تدخل الواو عليها حالية تدخل عليها صفة، قاله أبو البقاء. ومثل ذلك ما أجازه الزمخشري في قوله: "وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم" [ ص: 389 ] فجعل: "ولها كتاب" صفة لقرية، قال: "وكان القياس ألا تتوسط هذه الواو بينهما كقوله: "وما أهلكنا من قرية إلا لها منذرون" وإنما توسطت لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف، وما يقال في الحال: "جاءني زيد عليه ثوب، وعليه ثوب". وهذا الذي أجازه أبو البقاء هنا والزمخشري هناك هو رأي ابن جني، وسائر النحويين يخالفونه.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية