الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (188) قوله تعالى: بينكم : في هذا الظرف وجهان، أحدهما: أن يتعلق بتأكلوا بمعنى: لا تتناقلوها فيما بينكم بالأكل. والثاني: أنه متعلق بمحذوف لأنه حال من "أموالكم"، أي: لا تأكلوها كائنة بينكم. وقدره أبو البقاء أيضا بكائنة بينكم أو دائرة بينكم، وهو في المعنى كقوله: "إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم"، وفي تقدير "دائرة" - وهو كون مقيد - نظر لا يخفى، إلا أن يقال: دلت الحال عليه.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله "بالباطل" فيه وجهان، أحدهما: تعلقه بالفعل، أي: لا تأخذوها بالسبب الباطل. الثاني: أن يكون حالا، فيتعلق بمحذوف، ولكن في صاحبها احتمالان، أحدهما: أنه المال، كأن المعنى، لا تأكلوها ملتبسة بالباطل، والثاني: أن يكون الضمير في "تأكلوا" كأن المعنى: لا تأكلوها مبطلين، أي: ملتبسين بالباطل.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 301 ] قوله: "وتدلوا بها" في "تدلوا" ثلاثة أوجه، أحدها: أنه مجزوم عطفا على ما قبله، ويؤيده قراءة أبي: "ولا تدلوا" بإعادة لا الناهية، والثاني: أنه منصوب على الصرف، وقد تقدم معنى ذلك وأنه مذهب الكوفيين، وأنه لم يثبت بدليل. والثالث: أنه منصوب بإضمار أن في جواب النهي، وهذا مذهب الأخفش، وجوزه ابن عطية والزمخشري ومكي وأبو البقاء. قال الشيخ: "وأما إعراب الأخفش وتجويز الزمخشري ذلك هنا فتلك مسألة: "لا تأكل السمك وتشرب اللبن". قال النحويون: إذا نصب كان الكلام نهيا عن الجمع بينهما. وهذا المعنى لا يصح في الآية لوجهين، أحدهما: أن النهي عن الجمع لا يستلزم النهي عن كل واحد منهما على انفراده، والنهي عن كل واحد منهما يستلزم النهي عن الجمع بينهما; لأن الجمع بينهما حصول كل واحد منهما، وكل واحد منهما منهي عنه ضرورة، ألا ترى أن أكل المال بالباطل حرام سواء أفرد أم جمع مع غيره من المحرمات. والثاني - وهو أقوى - أن قوله "لتأكلوا" علة لما قبلها، فلو كان النهي عن الجمع لم تصح العلة له، لأنه مركب من شيئين لا تصح العلة أن تترتب على وجودهما، بل إنما تترتب على وجود أحدهما، وهو الإدلاء بالأموال إلى الحكام".

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 302 ] و "بها" متعلق بـ "تدلوا"، وفي الباء قولان، أحدهما: أنها للتعدية، أي لترسلوا بها إلى الحكام، والثاني: أنها للسبب بمعنى أن المراد بالإدلاء الإسراع بالخصومة في الأموال إما لعدم بينة عليها، أو بكونها أمانة كمال الأيتام. والضمير في "بها" الظاهر أنه للأموال وقيل: إنه لشهادة الزور لدلالة السياق عليها، وليس بشيء.

                                                                                                                                                                                                                                      و "من أموال" في محل نصب صفة لـ "فريقا"، أي: فريقا كائنا من أموال الناس.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "بالإثم" تحتمل هذه الباء أن تكون للسبب فتتعلق بقوله: "لتأكلوا" وأن تكون للمصاحبة، فتكون حالا من الفاعل في "لتأكلوا"، وتتعلق بمحذوف أي: لتأكلوا ملتبسين بالإثم. "وأنتم تعلمون" جملة في محل نصب على الحال من فاعل "لتأكلوا"، وذلك على رأي من يجيز تعدد الحال، وأما من لا يجيز ذلك فيجعل "بالإثم" غير حال.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية