الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (116) قوله تعالى: اتخذ الله ولدا سبحانه : الجمهور: "وقالوا" بالواو عطفا لهذه الجملة الخبرية على ما قبلها وهو أحسن في الربط. وقيل: هي معطوفة على قوله: "وسعى" فيكون قد عطف على الصلة مع الفعل بهذه الجمل الكثيرة، وهذا ينبغي أن ينزه القرآن عن مثله. وقرأ ابن عامر - وكذلك هي في مصاحف الشام - "قالوا" من غير واو، وذلك يحتمل وجهين، أحدهما: الاستئناف. الثاني: حذف حرف العطف وهو مراد، استغناء عنه بربط الضمير بما قبل هذه الجملة. و "اتخذ" يجوز أن يكون بمعنى عمل وصنع، فيتعدى لمفعول واحد، وأن يكون بمعنى صير، فيتعدى لاثنين، ويكون الأول هنا محذوفا تقديره: "وقالوا اتخذ الله بعض الموجودات ولدا" إلا أنه مع كثرة دور هذا التركيب لم يذكر معها إلا مفعول واحد: "وقالوا اتخذ الرحمن ولدا"، "ما اتخذ الله من ولد" "وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا". والولد: فعل بمعنى مفعول كالقبض والنقص، وهو غير مقيس، والمصدر: الولادة والوليدية، وهذا الثاني غريب جدا.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "بل له ما في السماوات والأرض" "بل" إضراب وانتقال، و "له" خبر مقدم و "ما" مبتدأ مؤخر، وأتى هنا بـ"ما" لأنه إذا اختلط العاقل بغيره كان المتكلم مخيرا في "ما" و "من"، ولذلك لما اعتبر العقلاء غلبهم في قوله "قانتون" فجاء بصيغة السلامة المختصة بالعقلاء. قال الزمخشري "فإن قلت: كيف جاء بـ "ما" التي لغير أولي العلم مع قوله "قانتون"؟ قلت: هو كقوله:

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 84 ] "سبحان ما سخركن" وكأنه جاء بـ "ما" دون "من" تحقيرا لهم وتصغيرا لشأنهم، وهذا جنوح منه إلى أن "ما" قد تقع على أولي العلم، ولكن المشهور خلافه. وأما قوله "سبحان ما سخركن لنا" فسبحان غير مضاف، بل هو كقوله:


                                                                                                                                                                                                                                      691 -. . . . . . . . . . سبحان من علقمة. . .



                                                                                                                                                                                                                                      و "ما" مصدرية ظرفية.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "كل له قانتون" مبتدأ وخبر، و "كل" مضافة إلى محذوف تقديرا، أي: كل من في السموات والأرض. وقال الزمخشري: "ويجوز أن يكون كل من جعلوه لله ولدا" قال الشيخ: "وهذا بعيد جدا لأن المجعول ولدا لم يجر له ذكر، ولأن الخبر يشترك فيه المجعول [ولدا] وغيره" قوله: "لم يجر له ذكر" بل قد جرى ذكره فلا بعد فيه.

                                                                                                                                                                                                                                      وجمع "قانتون" حملا على المعنى لما تقدم من أن "كلا" إذا قطعت عن الإضافة جاز فيها مراعاة اللفظ ومراعاة المعنى وهو الأكثر نحو: "كل في فلك يسبحون" "وكل أتوه داخرين". ومن مراعاة اللفظ: "قل كل يعمل على شاكلته" فكلا أخذنا بذنبه ، وحسن الجمع هنا لتواخي رؤوس الآي.

                                                                                                                                                                                                                                      والقنوت: الطاعة والانقياد أو طول القيام أو الصمت أو الدعاء.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية