الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 197 ] آ. (163) قوله تعالى: إله واحد : خبر المبتدإ، و "واحد" صفة، وهو الخبر في الحقيقة لأنه محط الفائدة، ألا ترى أنه لو اقتصر على ما قبله لم يفد وهذا يشبه الحال الموطئة نحو: مررت بزيد رجلا صالحا، فرجلا حال وليست مقصودة، إنما المقصود وصفها.

                                                                                                                                                                                                                                      ب. قوله: "إلا هو" رفع "هو" على أنه بدل من اسم "لا" على المحل، إذ محله الرفع على الابتداء أو هو بدل من "لا" وما عملت فيه لأنها وما بعدها في محل رفع بالابتداء، وقد تقدم تقرير ذلك، ولا يجوز أن يكون "هو" خبر لا التبرئة لما عرفت أنها لا تعمل في المعارف بل الخبر محذوف أي: لا إله لنا، هذا إذا فرعنا على أن "لا" المبني معها اسمها عاملة في الخبر، أما إذا جعلنا الخبر مرفوعا بما كان عليه قبل دخول لا وليس لها فيه عمل - وهو مذهب سيبويه - فكان ينبغي أن يكون "هو" خبرا إلا أنه منع من ذلك كون المبتدإ نكرة والخبر معرفة وهو ممنوع إلا في ضرائر الشعر في بعض الأبواب.

                                                                                                                                                                                                                                      واستشكل الشيخ كونه بدلا من "إله" قال: "لأنه لم يمكن تكرير العامل لا تقول: "لا رجل لا زيد"، والذي يظهر لي أنه ليس بدلا من "إله" ولا من "رجل" في قولك: لا رجل إلا زيد، إنما هو بدل من الضمير المستكن في الخبر المحذوف فإذا قلنا: "لا رجل إلا زيد" فالتقدير: لا رجل كائن أو موجود إلا زيد، فزيد بدل من الضمير المستكن في الخبر لا من "رجل"، فليس بدلا على موضع اسم لا، وإنما هو بدل مرفوع من ضمير مرفوع، ذلك الضمير هو عائد على اسم [لا] ، ولولا تصريح النحويين أنه بدل على الموضع من اسم "لا" لتأولنا كلامهم على ما تقدم تأويله". وهذا الذي قاله غير مشكل لأنهم لم يقولوا: هو بدل من اسم لا على اللفظ حتى يلزمهم تكرير العامل، [ ص: 198 ] وإنما كان يشكل لو أجازوا إبداله من اسم "لا" على اللفظ وهم لم يجيزوا ذلك لعدم إمكان تكرير العامل، ولذلك منعوا وجه البدل في قولهم "لا إله إلا الله" وجعلوه انتصابا على الاستثناء، وأجازوه في قولك: "لا رجل في الدار إلا صاحبا لك" لأنه يمكن فيه تكرير العامل.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "الرحمن الرحيم" فيه أربعة أوجه، أحدها: أن يكون بدلا من "هو" بدل ظاهر من مضمر، إلا أن هذا يؤدي إلى البدل بالمشتقات وهو قليل، ويمكن الجواب عنه بأن هاتين الصفتين جرتا مجرى الجوامد ولا سيما عند من يجعل "الرحمن" علما، وقد تقدم تحقيق ذلك في البسملة. الثاني: أن يكون خبر مبتدأ محذوف أي: هو الرحمن، وحسن حذفه توالي اللفظ بـ "هو" مرتين. الثالث: أن يكون خبرا ثالثا لقوله: "وإلهكم" أخبر عنه بقوله: "إله واحد"، وبقوله: "لا إله إلا هو"، وبقوله: "الرحمن الرحيم"، وذلك عند من يرى تعديد الخبر مطلقا، الرابع: أن يكون صفة لقوله: "هو" وذلك عند الكسائي فإنه يجيز وصف الضمير الغائب بصفة المدح، فاشترط في وصف الضمير هذين الشرطين: أن يكون غائبا وأن تكون الصفة صفة مدح، وإن كان الشيخ جمال الدين بن مالك أطلق عنه جواز وصف ضمير الغائب. ولا يجوز أن يكون خبرا لـ "هو" هذه المذكورة لأن المستثنى ليس بجملة.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية