الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (231) قوله تعالى: وإذا طلقتم : شرط جوابه "فأمسكوهن"، وقوله: "فبلغن" عطف على فعل الشرط. والبلوغ: الوصول إلى الشيء: بلغه يبلغه بلوغا، قال امرؤ القيس:

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 457 ]

                                                                                                                                                                                                                                      981 - ومجر كغلان الأنيعم بالغ ديار العدو ذي زهاء وأركان

                                                                                                                                                                                                                                      ومنه: البلغة والبلاغ اسم لما يتبلغ به.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "بمعروف" في محل نصب على الحال، وصاحبها: إما الفاعل أي: مصاحبين للمعروف، أو المفعول أي: مصاحبات للمعروف.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "ضرارا" فيه وجهان، أظهرهما أنه مفعول من أجله أي: لأجل الضرار. والثاني: أنه مصدر في موضع الحال أي: حال كونكم مضارين لهن.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "ومن يفعل ذلك" أدغم أبو الحارث عن الكسائي اللام في الذال إذا كان الفعل مجزوما كهذه الآية، وهي في سبعة مواضع في القرآن: "ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه" في موضعين، "ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء"، "ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما"، "ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله"، "ومن يفعل ذلك يلق أثاما"، "ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون". وجاز لتقارب مخرجيهما واشتراكهما في الانفتاح والاستفال والجهر. وتحرز من غير المجزوم نحو: يفعل ذلك. وقد طعن قوم على هذه الرواية فقالوا: لا تصح عن الكسائي لأنها تخالف أصوله، وهذا غير صواب.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 458 ] قوله: "لتعتدوا" هذه لام العلة، وأجاز أبو البقاء: أن تكون لام العاقبة، أي: الصيرورة، وفي متعلقها وجهان، أحدهما: أنه "ولا تمسكوهن". والثاني: أنه المصدر إن قلنا إنه حال، وإن قلنا إنه مفعول من أجله تعلقت به فقط، وتكون علة للعلة، كما تقول: "ضربت ابني تأديبا لينتفع"، فالتأديب علة للضرب والانتفاع علة للتأديب. ولا يجوز أن تتعلق والحالة هذه بـ "لا تمسكوهن". و "تعتدوا" منصوب بإضمار "أن" وهي وما بعدها في محل جر بهذه اللام، كما تقدم تقريره غير مرة. وأصل "تعتدوا" تعتديوا، فأعل كنظائره، ولا يخفى ذلك مما تقدم.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "عليكم" يجوز فيه وجهان، أحدهما: أن يتعلق بنفس "النعمة" إن أريد بها الإنعام، لأنها اسم مصدر كنبات من أنبت، ولا تمنع تاء التأنيث من عمل هذا المصدر لأنه مبني عليها كقوله:


                                                                                                                                                                                                                                      982 - فلولا رجاء النصر منك ورهبة     عقابك قد كانوا لنا كالموارد

                                                                                                                                                                                                                                      فأعمل "رهبة" في "عقابك"، وإنما المحذور أن يعمل المصدر الذي لا يبنى عليها نحو: ضرب وضربة، ولذلك اعتذر الناس عن قوله:


                                                                                                                                                                                                                                      983 - يحايي به الجلد الذي هو حازم     بضربة كفيه الملا وهو راكب

                                                                                                                                                                                                                                      بأن الملا وهو السراب منصوب بفعل مقدر لا بضربة. والثاني: أن يتعلق بمحذوف، على أنه حال من "نعمة" إن أريد بها المنعم به، فعلى الأول [ ص: 459 ] تكون الجلالة في محل رفع، لأن المصدر رافع لها تقديرا إذ هي فاعلة به وعلى الثاني في محل جر لفظا وتقديرا.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "وما أنزل عليكم" يجوز في "ما" وجهان، أحدهما: أن تكون في محل نصب عطفا على "نعمة" أي اذكروا نعمته والمنزل عليكم، فعلى هذا يكون قوله "يعظكم" حالا، وفي صاحبها ثلاثة أوجه، أحدها: أنه الفاعل في "أنزل" وهو اسم الله تعالى، أي: أنزله واعظا به لكم. والثاني: أنه "ما" الموصولة، والعامل في الحال اذكروا. والثالث: أنه العائد على "ما" المحذوف، أي: وما أنزله موعوظا به، فالعامل في الحال على هذا القول وعلى القول الأول أنزل.

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: من وجهي "ما" أن تكون في محل رفع بالابتداء، ويكون "يعظكم" على هذا في محل رفع خبرا لهذا المبتدإ، أي: والمنزل عليكم موعوظ به. وأول الوجهين أقوى وأحسن.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "عليكم" متعلق بـ "أنزل". و "من الكتاب" متعلق بمحذوف لأنه حال، وفي صاحبه وجهان، أحدهما: أنه "ما" الموصولة. والثاني: "أنه عائدها المحذوف، إذ التقدير: أنزله في حال كونه من الكتاب. و "من" يجوز أن تكون تبعيضية وأن تكون لبيان الجنس عند من يرى ذلك. والضمير في "به" يعود على "ما" الموصولة.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية