الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (186) قوله تعالى: وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب : في "أجيب" وجهان، أحدهما: أنها جملة في محل رفع صفة لـ "قريب" والثاني أنها خبر ثان لإني، لأن "قريب" خبر أول.

                                                                                                                                                                                                                                      ولا بد من إضمار قول بعد فاء الجزاء تقديره: فقل لهم إني قريب، وإنما احتجنا إلى هذا التقدير لأن المترتب على الشرط الإخبار بالقرب. وجاء قوله "أجيب" مراعاة للضمير السابق على الخبر، ولم يراع الخبر فيقال: "يجيب" بالغيبة مراعاة لقوله: "قريب" لأن الأشهر من طريقتي العرب هو الأول، كقوله تعالى: "بل أنتم قوم تجهلون" وفي أخرى "بل أنتم قوم تفتنون "، وقول الشاعر:

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 290 ]

                                                                                                                                                                                                                                      853 - وإنا لقوم ما نرى القتل سبة إذا ما رأته عامر وسلول

                                                                                                                                                                                                                                      ولو راعى الخبر لقال: "ما يرون القتل".

                                                                                                                                                                                                                                      وفي قوله: "عني" و "إني" التفات من غيبة إلى تكلم، لأن قبله، "ولتكبروا الله" والاسم الظاهر في ذلك كالضمير الغائب. والكاف في "سألك" للنبي صلى الله عليه وسلم وإن لم يجر له ذكر، إلا أن قوله: "أنزل فيه القرآن" يدل عليه، لأن تقديره: "أنزل فيه القرآن على الرسول صلى الله عليه وسلم". وفي قوله: "فإني قريب" مجاز عن سرعة إجابته لدعوة داعيه، وإلا فهو متعال عن القرب الحسي لتعاليه عن المكان، ونظيره: "ونحن أقرب إليه من حبل الوريد"، "هو بينكم وبين أعناق رواحلكم".

                                                                                                                                                                                                                                      والعامل في "إذا" قال الشيخ: "قوله: أجيب" يعني "إذا" الثانية، فيكون التقدير: أجيب دعوته وقت دعائه، فيحتمل أن تكون لمجرد الظرفية وأن تكون شرطية، وحذف جوابها لدلالة "أجيب" عليه، وحينئذ لا يكون "أجيب" هذا الملفوظ به هو العامل فيها، بل ذلك المحذوف، أو يكون هو الجواب عند من يجيز تقديمه على الشرط. وأما "إذا" الأولى فإن العامل فيها ذلك القول المقدر. والهاء في "دعوة" ليست الدالة على المرة نحو: ضربة وقتلة، بل التي بني عليها المصدر نحو: رحمة ونجدة، فلذلك لم تدل على الوحدة.

                                                                                                                                                                                                                                      والياءان من قوله: "الداع - دعان" من الزوائد عند القراء، ومعنى ذلك أن الصحابة لم تثبت لها صورة في المصحف، فمن القراء من أسقطها تبعا للرسم وقفا ووصلا، ومنهم من يثبتها في الحالين، ومنهم من يثبتها وصلا [ ص: 291 ] ويحذفها وقفا، وجملة هذه الزوائد اثنتان وستون ياء، ومعرفة ذلك محالة على كتب القراءات، فأثبت أبو عمرو وقالون هاتين الياءين وصلا وحذفاها وقفا.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "فليستجيبوا لي" في الاستفعال هنا قولان، أحدهما: أنه للطلب على بابه، والمعنى: فليطلبوا إجابتي قاله ثعلب. والثاني: أنه بمعنى الإفعال، فيكون استفعل وأفعل بمعنى، وقد جاءت منه ألفاظ نحو: أقر واستقر; وأبل المريض واستبل، وأحصد الزرع واستحصد، واستثار الشيء وأثاره، واستعجله وأعجله، ومنه استجابه وأجابه، وإذا كان استفعل بمعنى أفعل فقد جاء متعديا بنفسه وبحرف الجر، إلا أنه لم يرد في القرآن إلا معدى بحرف الجر نحو:" فاستجبنا له" فاستجاب لهم "، ومن تعديه بنفسه قوله:


                                                                                                                                                                                                                                      854 - وداع دعا يا من يجيب إلى الندى     فلم يستجبه عند ذاك مجيب

                                                                                                                                                                                                                                      ولقائل أن يقول: يحتمل هذا البيت أن يكون مما حذف منه حرف الجر.

                                                                                                                                                                                                                                      واللام لام الأمر، وفرق الرماني بين أجاب واستجاب: بأن "استجاب" لا يكون إلا فيما فيه قبول لما دعي إليه نحو: "فاستجبنا له"" فاستجاب لهم ربهم"، وأما "أجاب" فأعم لأنه قد يجيب بالمخالفة، فجعل بينهما عموما وخصوصا.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 292 ] والجمهور على "يرشدون" بفتح الياء وضم الشين، وماضيه رشد بالفتح وقرأ أبو حيوة وابن أبي عبلة بخلاف عنهما بكسر الشين، وقرئ بفتحها. وماضيه رشد بالكسر، وقرئ، يرشدون" مبنيا للمفعول، وقرئ: "يرشدون" بضم الياء وكسر الشين من أرشد. والمفعول على هذا محذوف تقديره: يرشدون غيرهم.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية