الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (136) قوله تعالى: قولوا : في هذا الضمير قولان، أحدهما: أنه للمؤمنين والمراد بالمنزل إليهم: القرآن على هذا. والثاني: أنه يعود على القائلين كونوا هودا أو نصارى، والمراد بالمنزل إليهم: إما القرآن وإما التوراة والإنجيل، وجملة "آمنا" في محل نصب بقولوا، وكرر الموصول في قوله: "وما أنزل إلى إبراهيم" لاختلاف المنزل إلينا والمنزل إليه، فلو لم يكرر لأوهم أن المنزل إلينا هو المنزل إليه، ولم يكرر في "عيسى" لأنه لم يخالف شريعة موسى إلا في نزر يسير، فالذي أوتيه عيسى هو عين ما أوتيه موسى إلا يسيرا، وقدم المنزل إلينا في الذكر وإن كان متأخرا في الإنزال تشريفا له.

                                                                                                                                                                                                                                      والأسباط: جمع "سبط" وهم في ولد يعقوب كالقبائل في ولد إسماعيل. واشتقاقهم من السبط وهو التتابع، سموا بذلك لأنهم أمة متتابعون. وقيل: هو مقلوب من البسط، وقيل: من "السبط" بالتحريك جمع" سبطة "وهو الشجر الملتف. وقيل للحسنين سبطا رسول الله صلى الله عليه وسلم لانتشار ذريتهم، ثم قيل لكل ابن بنت:" سبط ".

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "وما أوتي موسى" يجوز في "ما" وجهان، أحدهما: أن تكون في محل جر عطفا على المؤمن به وهو الظاهر. والثاني: أنها في محل رفع [ ص: 139 ] بالابتداء، ويكون "وما أوتي النبيون" عطفا عليها، وفي الخبر وجهان، أحدهما: أن يكون "من ربهم". والثاني: أن يكون "لا نفرق" هكذا ذكر الشيخ، إلا أن في جعله "لا نفرق" خبرا عن "ما" نظرا لا يخفى من حيث عدم عود الضمير عليها. ويجوز أن تكون "ما" الأولى عطفا على المجرور، وما الثانية مبتدأة وفي خبرها الوجهان، وللشيخ أن ينفصل عن عدم عود الضمير بأنه محذوف تقديره: لا نفرق فيه، وحذف العائد المجرور بـ "في" مطرد كما ذكر بعضهم، وأنشد:


                                                                                                                                                                                                                                      745 - فيوم علينا ويوم لنا ويوم نساء ويوم نسر



                                                                                                                                                                                                                                      أي: نساء فيه ونسر فيه.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "من ربهم" فيه ثلاثة أوجه، أحدها - وهو الظاهر - أنه في محل نصب، و "من" لابتداء الغاية، ويتعلق بـ "أوتي" الثانية إن أعدنا الضمير على النبيين فقط دون موسى وعيسى أو بـ "أوتي" الأولى، وتكون الثانية تكرارا لسقوطها في آل عمران إن أعدنا الضمير على موسى وعيسى والنبيين. الثاني: أن يكون في محل نصب على الحال من العائد على الموصول فيتعلق بمحذوف تقديره: وما أوتيه كائنا من ربهم. الثالث: أنه في محل رفع لوقوعه خبرا إذا جعلنا "ما" مبتدأ وقد تقدم تحقيقه.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "بين أحد" متعلق بـ "لا نفرق"، وفي "أحد" قولان أظهرهما: أنه الملازم للنفي الذي همزته أصلية فهو للعموم وتحته أفراد، فلذلك صح دخول "بين" عليه من غير تقدير معطوف نحو: "المال بين الناس". والثاني: أنه الذي همزته بدل من واو بمعنى واحد، وعلى هذا فلا بد من تقدير معطوف [ ص: 140 ] ليصح دخول "بين" على متعدد، ولكنه حذف لفهم المعنى، والتقدير: بين أحد منهم، ونظيره ومثله قول النابغة:


                                                                                                                                                                                                                                      746 - فما كان بين الخير لو جاء سالما     أبو حجر إلا ليال قلائل



                                                                                                                                                                                                                                      أي: بين الخير وبيني. و "له" متعلق بمسلمون، قدم للاهتمام به لعود الضمير على الله تعالى أو لتناسب الفواصل.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية