الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (160) قوله : إلا الذين تابوا : فيه وجهان، أحدهما: أن يكون استثناء متصلا، والمستثنى منه هو الضمير في "يلعنهم". والثاني: أن يكون استثناء منقطعا لأن الذين كتموا لعنوا قبل أن يتوبوا، وإنما جاء الاستثناء لبيان قبول التوبة، لأن قوما من الكاتمين لم يلعنوا، ذكر ذلك أبو البقاء وليس بشيء.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "وماتوا" هذه واو الحال، والجملة في محل نصب على الحال، وإثبات الواو هنا أفصح خلافا للفراء والزمخشري حيث قالا: إن حذفها شاذ.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: "أولئك عليهم لعنة" "أولئك" مبتدأ، و "عليهم لعنة الله" مبتدأ وخبر، خبر عن أولئك، وأولئك وخبره خبر عن "إن". ويجوز في "لعنة"، الرفع بالفاعلية بالجار قبلها لاعتمادها فإنه وقع خبرا عن "أولئك" وتقدم تحريره في: "عليهم صلوات من ربهم".

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "والملائكة" الجمهور على جر الملائكة نسقا على اسم الله. وقرأ الحسن بالرفع: " "والملائكة والناس أجمعون"،" وخرجها النحويون على العطف على موضع اسم الله تعالى، فإنه وإن كان مجرورا بإضافة المصدر [ ص: 195 ] إليه فموضعه رفع بالفاعلية لأن هذا المصدر ينحل لحرف مصدري وفعل، والتقدير: أن لعنهم، أو أن يلعنهم الله، فعطف "الملائكة" على هذا التقدير، قال الشيخ: "وهذا ليس بجائز على ما تقرر من العطف على الموضع، فإن من شرطه أن يكون ثم محرز للموضع وطالب له، والطالب للرفع وجود التنوين في المصدر، هذا إذا سلمنا أن "لعنة" تنحل لحرف مصدري وفعل، لأن الانحلال لذلك شرطه أن يقصد به العلاج، ألا ترى أن قوله: "ألا لعنة الله على الظالمين" ليس المعنى على تقدير: أن يلعن الله على الظالمين، بل المراد اللعنة المستقرة، وأضيفت لله تعالى على سبيل التخصيص لا على سبيل الحدوث" ونقل عن سيبويه أن قولك: "هذا ضارب زيد غدا وعمرا" بنصب "عمرا" أن نصبه بفعل محذوف، وأبى أن ينصبه بالعطف على الموضع، ثم بعد تسليمه ذلك كله قال: "المصدر المنون لم يسمع بعده فاعل مرفوع ومفعول منصوب، إنما قاله البصريون قياسا على أن والفعل ومنعه الفراء وهو الصحيح".

                                                                                                                                                                                                                                      ثم إنه خرج هذه القراءة الشاذة على أحد ثلاثة أوجه، الأول: أن تكون "الملائكة" مرفوعة بفعل محذوف أي: وتلعنهم الملائكة، كما نصب سيبويه "عمرا" في قولك: "ضارب زيد وعمرا" بفعل محذوف. الثاني: أن تكون [ ص: 196 ] الملائكة عطفا على "لعنة" بتقدير حذف مضاف: ولعنة الملائكة، فلما حذف المضاف أقيم المضاف إليه مقامه. الثالث: أن يكون مبتدأ قد حذف خبره تقديره: والملائكة والناس أجمعون تلعنهم". وهذه أوجه متكلفة، وإعمال المصدر المنون ثابت، غاية ما في الباب أنه قد يحذف فاعله كقوله: "أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما" وأيضا فقد أتبعت العرب المجرور بالمصدر على موضعيه رفعا قال الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                      784 -. . . . . . . . . . مشي الهلوك عليها الخيعل الفضل



                                                                                                                                                                                                                                      برفع "الفضل" وهي صفة للهلوك على الموضع; وإذا ثبت ذلك، في النعت ثبت في العطف لأنهما تابعان من التوابع الخمسة. و "أجمعين" من ألفاظ التأكيد المعنوي بمنزلة "كل".

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية